“معركة الأحداث” وإذا الشَّرطيَّة!

في كلمة أنطون سعاده التي افتتح فيها مؤتمر المدرّسين في 17 تموز 1948، والتي تحدَّث فيها بشكل مطوَّل عن أهمية دور المدرِّس والمؤسسات التربوية في إعداد “الأحداث” الذين لا بدّ لنا من الفوز بمعركتهم لنفوز بمعارك أكبر وأعمق، حدَّد في نهايتها الغرض الأساسي من المؤتمر، وهدفه. وبَينَ الغرض والهدف يذكُرُ جملتَه الشهيرة التي أخذها القوميون من ضمن عبارات كثيرة للزعيم، لتصبح في صدارة الـ”كليشيهات” التي نتغنّى بها في مجالسنا وحلقاتنا الإذاعية ونختم بها مقالات كثيرة وآراء متنوعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ” إذا ربحنا الأحداث ربحنا معركة العقائد ومعركة المصير القومي كله”.

قبل العبارة الشهيرة وبعدها تحديد للغرَض والهدَف، لا يصلحان ليكونا “قولًا مأثورًا” نضعه مع صورة للزعيم على صفحتنا على فيسبوك، بل يتطلّبان إعداد خطط من خلال ورشات عمل من مختصّين وقياديين، وتشمير السواعد من أجل العمل الدؤوب على التنفيذ وضمان استمرارية هذا التنفيذ، ولكن الشأن التربوي، في حزبنا وفي بلادنا، كالثقافي والبيئي وغيرها، هو في آخر الأولويات، كان ولا يزال.

يقول سعاده: “إنّ أبناءنا هم استمرار حياتنا واستمرار المبادىء التي تعبّر عن حقيقتنا. وإنّ الغرض الأساسي من هذا المؤتمر هو تخطيط تثقيف الأحداث بالثقافة السورية القومية الاجتماعية”. كلمة تخطيط هي الأساس في هذا الغرض وليس الثقافة القومية الاجتماعية بذاتها، فهي موجودة وقد درسناها ودرّسناها وقدّسناها في بعض الأحيان، أمّا التخطيط لتثقيف الأحداث فما زال، إمّا بدائيًّا، وإمّا غير موجود بالأساس ويعتمد على الارتجال والمبادرات الفردية وبعض التمايز بين مذيع هنا وناظر هناك.

أمّا الهدف، الذي ينهي سعاده كلمته فيه، فهو “رِبْح الأحداث للنهضة السورية القومية الاجتماعية التي تشق طريق حياة جديدة للأمة السورية”. والرِّبح هنا مشروط بالتخطيط ومن ثمّ التنفيذ، لتُقاس على أساسه النتائج ويتمّ تقييمها وإعداد الخطط للتعديل والتنويع والتجديد والاستمرار، وتأتي جملة “إذا ربِحنا معركة الأحداث ربحنا معركة العقائد…” الشرطية، لتؤكّد أنّ ما أراده الرجُل واضح وجليّ، علينا أن نخطط وننفّذ…

ومن كلّ ما سبق لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا النقد والتوضيح وإعادة شرح فكر سعاده وقراءة ما بين السطور… لا يقدِّم ولا يؤخِّر، بل يجعل من قائله “متفزلِكًا” يريد أن ينتقد ويقول “افهموا سعاده يا جماعة”، ولكن المقصود هو التركيز على التخطيط، والاعتماد على المختصّين في أيّ مجال كان، وهنا نركّز على المجال التربوي، الذي إن أردنا أن نوسّع “دائرة البيكار” ليشمل وزارات التربية في كيانات الأمة ومناهجها ومَن يخططون لها، والتخلُّف الذي يحكمها، لقُلنا إننا نحتاج إلى معجزات وأكثر، ليعتدل المسار.

وهنا لا نقول إنّ على عمدة التربية أن تقوم بتلك المعجزات، ولكن نقول علينا البدء بالخطوة الأولى، فكما أحيت القيادة الحزبية منذ عامين إلى الآن الندوة الثقافية ومجلة صباح الخير البناء، وأطلقت جائزة أنطون سعاده الأدبية، يمكن لها أن تدعو لمؤتمر مدرّسين، يحضرُه من شاء من مدرّسي الكيانين اللبناني والشامي على الأقل، وليس القوميين منهم فقط، والعمل خلال المؤتمر على تحديد الخلل في المناهج، وتدارس الحلول، والخروج بمقترحات ومشاريع، أو على الأقل الخطوط العريضة لمشاريع، تربوية تُعنى بالمناهج وتحدّيات المرحلة والسباق التكنولوجي والعلمي والمعرفي، ورّفع ذلك إلى وزارات التربية والشباب، علّها تكون شمعة في ظلام تلك الوزارات، أو لبنة أولى تؤسّس لتغيير ما…

منصور الخيّاط