لم يكن مفاجئًا للكثيرين أن تبدي الدولة اللبنانية ملاحظات على المقترح الأميركي الخاص بالترسيم بين لبنان وكيان الاحتلال والذي أعدّه المبعوث الخاص لوزارة الخارجية المنسق الخاص للطاقة الدولية آموس هوكشتين. فمن يتابع الوساطة الأميركية في أي مفاوضات عربية على مدى الزمن، يلحظ أن الولايات المتحدة تسعى بشكل دائم لتحصيل أكبر قدر من المكاسب للعدو الصهيوني.
وللمصادفة فإنّ أول وساطة دخلت بها الولايات المتحدة الأميركية بين العرب والعدو الصهيوني كانت في تشرين الأول 1973، عندما عملت الولايات المتحدة الأميركية وسيطًا لمفاوضات فصل القوات بين مصر والكيان الصهيوني وذلك عبر وزير خارجيتها في حينه اليهودي هنري كيسنجير الذي عمل بكل السبل لتحقيق مصالح العدو بالرغم من الهزيمة العسكرية التي مني بها جيش الاحتلال على الجبهة المصرية، حيث دمرت القوات المسلحة المصرية خط بارليف الذي قيل أنه لا يمكن تدميره، واستطاعت مع الجيش العربي السوري إسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
واذا راجعنا كل الوساطات الأميركية من بعد حرب تشرين إلى يومنا هذا نجد أنّ الأميركي يحرص دائمًا على تحقيق المكاسب للعدو الصهيوني بدءًا من مفاوضات معاهدة كامب دايفيد وصولًا للوساطة الأميركية في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الغاصب، والذي تعتبره الدولة اللبنانية انتصارًا كبيرًا ويحقق كل المطالب بينما هو في الحقيقة سرقة لثروات لبنان، فيما السلطة اللبنانية تحاول أن تسوق لانتصار وهمي.
فوفق ما تسرب في الإعلام، فإن الاقتراح الأميركي ينص على أن الترسيم سيتم وفق الخط 23 على أن يتم التفاوض على حصة الكيان الصهيوني من حقل قانا. وإذا صحت هذه التسريبات، فإن الدولة اللبنانية تعمل على التفريط في حق لبنان لصالح العدو بمباركة أميركية، وهذا ما يتمثل ب:
1- أن السلطة اللبنانية وافقت منذ البداية على أن يكون الوسيط الأميركي مواطن إسرئيلي ولد في فلسطين المحتلة وخدم في جيش الإحتلال من العام 1992 لغاية العام 1995، وهو عضو في اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية ومستشار هذا اللوبي لشؤون الطاقة. كما أن الدولة الوسيطة ليست إلا الدولة التي يشكل العدو الصهيوني امتدادًا لها ورأس حربة لمشروعها في المنطقة، وعلى مدى تاريخها سعت الولايات المتحدة الاميركية تحقيق مصالح الكيان الصهيوني من خلال دعمه عسكريًا واقتصاديا.
في المقابل أليست الولايات المتحدة الأميركية هي التي وعدت لبنان بتأمين الكهرباء من مصر والأردن ردًا على إدخال المازوت الإيراني منذ أكثر من عام؟ أليست الولايات المتحدة الأميركية هي من تعرقل استجرار الكهرباء بحجة عدم تخطي قانون قيصر؟ أليست الولايات المتحدة الاميركية هي التي تفرض حصارًا اقتصاديًا على لبنان منذ عدة سنوات لإجباره على الخضوع والتنازل عن مصادر قوته وثراوته؟
2- مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة في الناقورة بين الوفد العسكري اللبناني ووفد الإحتلال، قدم الوفد اللبناني الخرائط والنصوص القانونية التي تؤكد أن الترسيم يجب أن يكون وفق الخط 29، فيما المقترح الأميركي يطلق الترسيم من الخط 23 أي أن لبنان يخسر من حدوده 570 كيلومتر والذي يتضمن جزءًا من حقل كاريش. وبالتالي ووفق ما طرح الوفد التقني اللبناني وما هو مصاغ بالمقترح الأميركي، فإن لبنان بدلًا من أن يأخذ جزءًا من قيمة الغاز في حقل كاريش، فإن الأميركي منح المحتل كامل حقل كاريش ويريد إعطاءه جزءًا من عائدات حقل قانا. والغريب أنّنا لم نسمع من أي طرف من الأطراف اللبنانية المعنية بالترسيم عن سبب التنازل عن الترسيم بدءًا من الخط ٢٩.
3- إن إتفاق 17 أيار المشؤوم والمرفوض تضمن ملحقًا لترسيم الحدود بحريًا بين لبنان وكيان الإحتلال، وإذا راجعنا هذا الملحق وما يتضمنه المقترح الأميركي، فإن لبنان يخسر 3,000 كليومتر من حدوده البحرية، وهذه المساحة تضم حقلين كاملين هما كاريش وتامين وجزءًا من حقلين آخرين هما ثمار ولفيثيان.
إنّ الحديث عن تحقيق المطالب اللبنانية من خلال المقترح الأميركي لترسيم الحدود ما هو إلا كذبة كبيرة، فالولايات المتحدة الأميركية على مدى تاريخها لا تعمل إلا على تحقيق أهداف طرف واحد في المنطقة وهو الإحتلال الصهيوني فكيف إذا كان المسؤول عن الوساطة ما هو إلا شخص يهودي الديانة إسرائيلي الجنسية صهيوني العقيدة. وربما لولا الحاجة الأميركية لتأمين الغاز لأوروبا في ظل الأزمة الروسية- الأوكرانية لكان المقترح الاميركي يحقق مكاسب أكبر للعدو الصهيوني.
وسام الطرابلسي