ذكرى الرفيق سعيد العاص

في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1936 سقط شهيد النهضة السورية القومية الاجتماعية في الدفاع عن جنوب سورية القائد السوري المعروف بحسن درايته في حرب العصابات.
هو محمد سعيد العاص الذي كان قائد الجبهة الشمالية في الثورة السورية الدرزية التي نشبت سنة 1925، وكادت تتحول إلى ثورة سورية عامة لولا التفسخ الروحي والبلبلة العقائدية والسياسية بين السوريين. وقد أبلى رفيقنا المغفور له أحسن البلاء في تلك الثورة، وأظهر من ضروب الحنكة والبسالة في مواقع الغوطة وجهات النبك ما توّج رأسه بالفخر وجعل لاسمه قوة معنوية ووقعاً كبيراً في النفوس.
كتب الرفيق الفقيد كتاباً في أيام الثورة المذكورة دوّن فيه المعلومات المفيدة عن الحركات الثوروية العامة وأعمال جبهته. وكان ينظر إلى تلك الثورة الجزئية نظرة عالية ويعدّها «جهاداً سورية مقدساً». وكان توقيعه هكذا: سعيد العاص، قائد الجبهة الشمالية في الجهاد السوري المقدس. فرغ من كتابه سنة 1929 ونشره سنة 1930. وهو سفر كبير القيمة.
في سنة 1936، عندما نشبت نار الثورة الفلسطينية بتحريك «المجلس الإسلامي الأعلى» في فلسطين و«اللجنة العربية العليا» انضم محمد سعيد العاص إلى هذه الثورة ليجاهد في الجنوب كما جاهد في الشمال. هناك التقى بفرقة من المتطوعة للجهاد اجتمع أفرادها من مناطق متعددة ومن طوائف دينية مختلفة. كان فيها إبن الشوف وابن المتن وابن بيروت وابن صيدا من لبنان، وأبناء حيفا والناصرة ويافا وما جاورها من فلسطين. وكان فيها المحمدي و المسيحي والدرزي. هي الفرقة الوحيدة التي اجتمع أفرادها، على تعداد مناطقهم وتباعدها، اجتماعاً مقصوداً ظهروا فيه بوحدة روحية وفكرية متينة ميّزتهم عن جميع المجاهدين الآخرين. وكان تصرفهم النظامي في غاية الدقة والحماس.
استلفتت هذه الفرقة نظر القائد النقاد فأعجب بروحيتها ونظامها إعجاباً كبيراً. وحمله إعجابه على البحث عن سر روحيتها ونظامها، فسأل أفرادها فأخبروه بأمرهم وعرّفوه حقيقة العقيدة السورية القومية الاجتماعية التي يدينون بها. فارتاح لهذا الأمر ارتياحاً كبيراً، ووقعت القضية القومية الاجتماعية المقدسة من قلبه موقعاً عظيماً. وجد فيها الفكرة التي كان يتمنى حصولها والغاية العظمى التي كان يرتقب ظهورها ووضوحها. فاستكمل الشرح والتفصيل في أصولها وفروعها. فزاده ذلك تيقناً بصحتها فآمن أنها النهضة المرجوة لإنقاذ الأمة السورية والوطن السوري اللذين جاهد في سبيل حريتهما من قبل جهاداً لم يكن له أمر منظم ولا منهاج صحيح، فأعلن رغبته في الانضمام إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، فانتدبت منفذية الحزب في حيفا من قام بأمر ضمه إلى صفوف أبناء العقيدة السورية القومية الاجتماعية المقدسة. فانشرح صدره وانطلق إلى ميدان الحرب موقناً أنّ القضية القومية أصبحت قائمة على أساس لا يتزعزع. فحارب حرباً شديدة واستبسل استبسالاً عظيماً ورمى بنفسه ورفقائه في مخاطر شديدة كانوا ينجون منها كأنهم محروسون بعناية إلهية.
كانت هذه التطورات الخفية في ثورة جنوب سورية ذات الأثر الأعظم في تطورات الحرب الظاهرة. فسارت الثورة من نصر إلى نصر واشتد أمر المجاهدين. حتى شعرت بريطانية بتفاقم الأمر وأخذت تبذل المساعي لدى صنائعها من ملوك الأقطار العربية وأمرائها الذين أجابوا رغباتها، وأخذوا يسعون ليحملوا قوات الثورة على إلقاء سلاحها إلى أن نجحوا بقبول المجلس الإسلامي الأعلى واللجنة العربية العليا هذا الأمر. فشق شأن تلك المساعي على البطل محمد سعيد العاص وعلى رفقائه الأبطال من الحركة القومية الاجتماعية وقاوموا تلك الدسائس بكل قواهم. ولكنهم لم يتمكنوا من إيقاف عجز الرأي وقوة المال الأجنبي فألقت الثورة سلاحها بإشارة الرؤساء الذين دفعوا الأمة إليها.
وكأن روح بطلنا العظيم أبت أن تبقى لترى المجد الحربي يتحول إلى خزي سياسي فأصابت محمد سعيد العاص رصاصة أردته قتيلاً فيالسابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1936. فكان قتله خسارة عظيمة لا يعوّض عنها إلا ما أبقاه الشهيد من بطولة خالدة وروح سامية، فهو بهما حي بيننا مع فقده من صفوفنا.
وكان بين الشهداء في فلسطين عدد من السوريين القوميين الاجتماعيين، غير سعيد العاص، منهم أحد أفراد عائلة البنَّا1 من شارون، فأقيم له مأتم في بلدته حضره الزعيم بنفسه.
ولما كانت الرابطة القومية الاجتماعية في نهضتنا المقدسة لا تنفصم فإن من أشد دواعي الارتياح أن نرى الأوساط القومية الاجتماعية تتأهب في كل مكان لإحياء ذكرى الشهيد القائد البطل محمد سعيد العاص ورفقائه الشهداء في الدفاع عن حقوق الأمة السورية في جنوب الوطن السوري، تخليداً لبطولتهم وسمو نفوسهم.

الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 68، 15/10/1943
المجلد السادس 1942 – 1943