الإعلام المقاوم إشكاليات وحلول

بين دور الإعلام كناقل للخبر وبموضوعية، وبين شعار جوزيف غوبلز “اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الاخرون”، مرت أعواماً عديدة حيث جرى وضع استهداف للإعلام يقول “أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي “. هكذا تحول الإعلام إلى بروباغندا، وأصبح له دور أساسي “في قلب الحقائق وتعبئة الجمهور وصولاً لتأييد الباطل” كما يقول نعوم تشومسكي.
وهذا ما نراه في السياق التاريخي العصري للأحداث. وتحت عناوين براقة كالديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان، كانت تتشكل صناعة جديدة للرأي العام. تقوده “إمبراطوريات “مهيمنة على العالم، برعت في بلورة الأحداث ومعها ما يواكبها من رأي عام.
تتقن هذه الإمبراطوريات سياسية تعزيز دور إمبراطوريات إعلامية تغطي ارتكاباتها وافعالها وجرائمها واحتلالاتها متى لزم الأمر. هكذا فعلت في العراق، عندما أعلن كولن باول عن مواجهة أميركا للسلاح النووي ، كحجة لاحتلال العراق، وعندما ثبت العكس كان العراق قد تحول دماراً بمؤسساته وقدراته وثرواته المنهوبة وكان ملايين العراقيين قد قتلوا، وكان النسيج الإجتماعي للشعب قد تمزق أشد تمزيق.
أما في فلسطين، فقد استطاعت بروباغندا أرض الميعاد أن تجعل لليهود حق في أرض الفلسطينيين وبيوتهم وأرزاقهم وأماكن عبادتهم، وهكذا قامت دولة الإحتلال بتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، ومنها انتقلوا إلى شتات الأرض الواسعة، وجاء مكانهم يهود من أصقاع الأرض واستوطنوا فيها.
هذه البروباغندا ضد الفلسطينيين وأمتنا لا تزال حتى الأن، أبلغ جريمة ارتكبها الغرب في التاريخ، وكانت مساراً لإحلال شعب مكان شعب آخر، وطبعاً كان ذلك بالحروب والدم. ويجهدون اليوم ليصنعوا لأنفسهم تراثاً وتاريخاً رغم عجز كل الأدلة من آثار ووثائق على إثبات مراميهم ولا زالت المشاهد تتكررمنذ أن أعلنت دولة الاغتصاب عام 48 وإلى اليوم، ومؤخراً كان حي الشيخ الجراح وأهله المهددين بالتهجير أبلغ صورة عن شعب لا يزال يناضل ليحظى بلفتة من الاعلام العالمي، علةه بذلك ينجح بالبقاء حياً فلسطينياً في القدس المحتلة.
إن معركة الإعلام اليوم، الإعلام المقاوم، هي أقسى من كل المعارك والحروب التي خاضتها بلادنا أو لنقل انها لا تقل عنها ضراوة، لأنها معركة القصد منها تثبيت حقوق ومصالح أمتنا العليا في مواجهة القوة والمال والهيمنة الدولية الأحادية القطب على العالم أجمع .ولذا كان سعي الوكالة الأميركية للإعلام USAGU مؤخراً من خلال تمويلها للمحطات الفضائية اللبنانية والعربية إلى إعطائها أدوارا في إذكاء الفتن الأهلية والتضليل القائم حالياً وخاصة على المقاومة في فلسطين ولبنان، من خلال اتهامها بالإرهاب،غافلة وجود الإرهاب الصهيوني ودوره، من خلال التدريب الذي قامت به لمئات الصحفيين ومديري وسائل الإعلام هذه، عدا الدعم الفني والإداري لشبكات البث، وهذا أمر اكدته تصريحات دافيد هيل عندما أعلن أن بلاده مولت وسائل إعلامية ونشطاء، بعشرة مليار دولار.
فهل نجحت هذه الأموال وهذه المعارك في صياغة رأي عام يعبر عن تطلعات الغرب، بعيداً عن حقوق بلادنا ورؤية شعبنا؟
إنها إلى الآن المعركة المستمرة بين إعلام، سبق لزعيمنا أنطون سعادة أن دعاه ليكون مصدراً للنور الفكري في حياة الأمة، ويخدمها بكل أمانة وإخلاص، ويجعل للرأي العام دوره وقوته في صياغة الحقائق الكبرى للمجتمع من خلال تعزيز مفهوم الإلتزام المطلق بالقضية القومية الاجتماعية ونظرتها الشاملة إلى الحياة والكون والفن. لذا كانت إصدارات سعادة الصحفية العديدة، هدفها صحافة تصنع رأياً عاماً واعياً مدركاً للأخطار، ومثقفاً بقضية أمته شعباً وارضا.ً وان كانت مساعي سعادة، قد تمت يوم كان الإعلام مطبوعاً، فهي دون شك تجربة رائدة، تستحق الإهتمام. أما وبعد تحول الإعلام إلى مرئي ومسموع وإلى عالم إفتراضي واسع الأفق وإلى فضائيات وأقمار، فالتحدي أكبر نظراً لهيمنة الإمبراطوريات الإعلامية المدعومة من أحادية قطبية تسيطر على هذا العالم، بالمال وبقانون العقوبات والمقاطعة والحظر على البث على الأقمار بتهم عديدة، أبرزها الإرهاب، ولا ننسى الحصار الذي يقيد الحياة والعيش في بلادنا وليس وسائل الاعلام وحسب. إشارة هنا أنه كان قد سبق لدول عربية وأفريقية أن اهتمت منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، بانشاء قمر صناعي اسمته النايل سات، لكن سرعان ما أدت سياسة الهيمنة القطبية الواحدة على الدول العربية، إلى إستقطاب هذا القمر وألحقته بأهدافها وسياستها. وهكذا بقيت قضية فلسطين ومعها حقوق أمتنا وشجونها وشؤونها في حكم الأسيرة لمشيئة الخانعين الراكبين في قطار الاستسلام والتطبيع .
لقد طرحت الماكينة الإعلامية الصهيو-أميركية عناوين عديدة تتطلب المواجهة: الخطة الإبراهيمية، التطبيع، المثلية…….إلخ وكل ذلك في إطار العولمة الذي لا يزال العالم يهلل له، بعد انفتاح الفضاء الرحب للعالم على تواصل لا حدود له.
كل هذه العناوين الآنفة الذكر تستدعي منا المزيد من الإستنهاض للإعلام المقاوم، مقاوم للتشويه الديني، مقاوم للحقوق القومية، مقاوم لحفظ الأسرة والمجتمع، وهذا كله يستدعي وحدة لقوى المواجهة، في بلادنا والخارج، من دول غير خاضعة للمعايير التي تحاول الإمبراطورية الصهيو-أميركية فرضها على العالم .
اليوم العالم يتغير، وفي خضم هذا الغليان القائم، بات من الضروري على الدول المصنفة في محورين، أن تسارع إلى تثبيت قدراتها وبعيداً عن الانزواء، بل إلى الإنفتاح نحو قوى مشابهة لا تزال قواها السكانية والاقتصادية تستطيع فرض ما تريده.
دول البريكس نموذجاً، ودول محور الممانعة في المنطقة نموذجاً آخر، يمكن من خلاله توحيد القوى ووضع خطط المواجهة، على الأقل لإلغاء الغسل القائم للأدمغة وحق الحفاظ على رأي عام مثقف واع لمستقبله ومستقبل بلاده.
إن معركة الإعلام المقاوم في الواقع تستدعي مبادرات عاجلة في هذا الإطار، وهو بالتأكيد يوازي مسائل عديدة كالرغيف والمحروقات والبنى التحتية وكل ما يعيق العيش الكريم. إنها إرادة بقاء بلادنا لنا قبل أن تستفحل أكثر قرارات إفراغها من الشباب ومن رغبته في استعادة الحقوق المسلوبة وفي الحفاظ على قيمه العائلية والثقافية الخاصة به.