السلام للأقوياء

السلام للأقوياء

[…] إذا كان الإنسان قد أصبح متسلطًا على زخم الجوهر الفرد (Atom) -على قوته المكنونة- فلماذا لم يستخدم زخمه العظيم الفعالية في الشؤون السلمية، في الحاجات المدنية، بدلاً من شؤون الحرب والتدمير، أليس الأفضل أن يترك الإنسان التدمير ووسائله وينصرف إلى التعمير، وأن يشيح بوجهه عن الحرب ويتجه إلى السلم؟ والذين يميلون إلى السلم غافلين عن الأخطار التي تكمن فيه للأمم المستسلمة، ويطلبون إحلاله بأية طريقة وبدون إكتراث لمصير الأمم التي يقوم السلاح على تأخرها وإنحطاطها في ميدان الحياة، والبقاء، والتقدم، يمطرون العلماء وابلاً من النقد اللاذع لإهتمامهم بتحويل الإكتشافات والإختراعات الكبيرة إلى وسائل للتدمير والفتك. ويوجد بين العلماء أنفسهم من تأخذهم شفقة الغفلة عن مصير الأمم، فيأخذون يميزون بين العلم لأجل العلم والعلم لأغراض الأمم الكبرى، ومراميها، وبقائها في معركة الحياة والتفوق، ويتأوهون تأوهات ساذجة، غريبة عن معركة الأمم ومصير الشعوب!
لماذا حوَّل العلماء زخم الجوهر الفرد إلى قنبلة تصهر مدينة بكاملها بوهج إنفجارها، بدلاً من أن يحولوه إلى وسائل لمنافع الإنسان السلمية؟
أقل ما يقال في هذا السؤال، إنه بعيد جدًا عن كيان النوع الإنساني وقضاياه – عن واقع الأمم وقيام مدنيات وثقافات وسقوط مدنيات وثقافات – عن تنازع الأقوام الحياة والتفوّق. قد قلت في “نشوء الأمم”: “فالمجتمع الإنساني ليس الإنسانية مجتمعة”. وأعني بذلك أن الواقع الإنساني هو واقع مجتمعات، واقع أمم تتصادم، وتتنازع موارد الحياة، وتتحارب، وتظهر مواهبها ومؤهلاتها للبقاء في تأمين سلامتها وسلامة أهدافها قبل تأمين السلام. فكل تفكير في أعمال الإنسان وأغراضها يجب أن يبتدئ من أساس هذه المعرفة، من فهم الواقع الإنساني وفهم تاريخ الأجناس والأمم والمدنيات.
[…] إن الأمة التي تتفوق بسلاحها، وتكون لها الحكمة الضرورية، تقدر أن تفرض السلام الذي تقرره. فحين نهضت الدولة السورية الأكادية بسلاحها فرضت سلاحها على العالم الذي حدَّده مداها، ثم كان فرض سلام الدولة السورية الأشورية، وسلام الأسطول السوري الفينيقي في البحر وشواطئه. لا يمكن التفكير، وجدانياً، بإيقاف اختراع الأسلحة، الممتازة بقوة فتكها، إلا يوم يمكن التفكير بانعدام الحرب.
على حساب مَن مِن الأمم سيوطد السلام الأبدي؟
على حساب الأمم المستسلمة التي تغني، في ذلّها وعبوديتها، غناء القناعة والسلام!
“إن النهضة القومية الاجتماعية تعترف بأنه ليس أفضل من تنازل بعض الأمم عن حقهن في الحياة، لتوطيد سلام دائم، وبأن سورية ( سورية القومية الاجتماعية ) ليست، ولا تريد أن تكون، من هذا البعض”.
سعاده
بحث “القنبلة الجهرفردية وتفوق الأمم” : “النظام الجديد”، الحلقة 3، أيار 1948