رمل سياسي

رمل سياسي

ما من أمة حاول أعداؤها الربط بين تخلفها (حسب فؤاد زكريا) وتأخرها (حسب ياسين الحافظ وعبد الله العروي) وبين الرمل مثل العرب، وتحضر في الذهن هنا، قراءات أو مقاربات مفكرين ومؤرخين مثل الفرنسي آرنست رينان ومثل برنار لويس (مؤرخ يهودي امريكي من أصل بريطاني).
كما تحتل كتابات المفكر الاستراتيجي الأمريكي، بريجنسكي اهمية خاصة، بالإضافة لدوائر وزارتي المستعمرات والخارجية في فرنسا وبريطانيا أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين.
-1- ارنست رينان، بتأسيسه الرؤية الاجتماعية لهذا الخطاب الرملي وبذهابه إلى القول بأن العرب حالة رملية (فالرمل لا يتوحد ولا يذوب) ولا يستقر على شكل محدد مثل كثبان متحركة.
-2- برنار لويس، بتأسيسه الرؤية الأنثروبولوجية في الطعام والملابس والعادات والتقاليد… إلخ.
-3- بريجنسكي بتركيزه على الجغرافيا السياسية وإطلاق الرمال خلف السواحل والجبال وضفاف الأنهار.
-4- المستعمرون الإنجليز والفرنسيون، ومقصاتهم، وخرائطهم التمزيقية، ومطابخهم الايديولوجية (شركة الهند الشرقية ومكاتب بغداد والقاهرة التي أنتجت الوهابية وغيرها من التأويلات الصحراوية – الرملية للإسلام).
وفي كل ذلك يلاحظ ما يلي:
-1- تاريخياً، ومن بين أنماط الإنتاج الاقتصادية والأنماط المعروفة المصاحبة لها (الآسيوي النهري الزراعي ما قبل الإسلام – الإيلافي الصحراوي التجاري (الإسلامي) – الصناعي (محمد علي وعبد الناصر) والرملي أو الصحراوي (عصر النفط والغاز) تتوارى الأنماط الإنتاجية الحقيقية بكل تعبيراتها.
ويمثل النمط الأول أرقى مستوى حضاري وصل إليه العرب في العراق وسوريا القديمة (سومر، اكد، بابل، آشور وأبجدية أوغاريت) ومصر الفرعونية وأهراماتها وعلومها) بل إن هذا النمط يندرج في الخطابات الإسلاموية في إطار الجاهلية.
وبالمثل تجري محاصرة قراءات أنطون سعادة حول سوريا التاريخية وجذورها الحضارية وكذلك محاصرة إصلاحات ودور محمد علي وجمال عبد الناصر في مصر لمصلحة استعادة الزمن الصحراوي وأفكاره وايديولوجيته باعتباره الزمن المجيد أو الفردوس المفقود.
2- ايديولوجيا، ومقابل الأنظمة المعرفية (العلوم الأولية) لعصر ونمط الإنتاج النهري الزراعي الفرعوني السومري الأوغاريتي وللمشروعين، مشروع أنطون سعادة والمشروع الناصري، يجري استعادة الزمن الايديولوجي الصحراوية عبر الوهابية الصحراوية الرملية الجافية.
وكما ولدت الوهابية على يد المخابرات البريطانية أعيد انتاجها على يد المخابرات الأمريكية في افغانستان وسوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها.
3- اقتصادياً، ومقابل العمل الإنتاجي في سوريا والعراق ومصر في العهود السومرية – الاكدية – الأوغاريتية والفرعونية، فإن الزمن الحالي (النفط والتمر والغاز) هو زمن صحراوي رملي بامتياز.
ويلاحظ هنا أيضاً الدور البارز (للشاحنة) مقابل السفينة والسكة.
فبالرغم من السواحل التي تحيط بالوطن العربي، ومن الأنهار الطويلة في مصر والعراق – إلا أن الثقافة البحرية في النقل والمائدة والفلكلور متواضعة وكذلك (ثقافة سكة الحديد) باستثناء بلدان مثل مصر والمغرب والجزائر، كما يلاحظ الفقر العربي عموماً لثقافة المطبخ المائية (البحرية والنهرية) على حد سواء مقابل الضأن والخضروات والتمور.
4- جغرافياً، ليس بلا معنى دوام التهميش البحري للجميع وخاصة البلدان المركزية أو التاريخية مثل مصر وسوريا والعراق وسلطنة عمان.
فبالرغم من إطلالة مصر على البحرين، إلا أنه منذ تجربة الاسكندرية ودورها في الحضارات المتوسطية القديمة أصبحت مصر مستهدفة في دورها وصار مطلوباً تهميش الاسكندرية، وتكرر الأمر نفسه مع شق قناة السويس ثم مع تأميمها على يد الرئيس جمال عبد الناصر وتشبيكها مع باب المندب اليمني (بدعم الثورة هناك، ومع المرافئ السورية قبل ذلك (الوحدة المصرية – السورية).
وفيما يخص العراق تم حصاره بحرياً بتضييق نافذته الساحلية على الخليج رغم أن الخليج كان يعرف بخليج البصرة.
وبالمثل ما تعرضت له السواحل الشامية ومشروع سعادة لتوحيدها، ابتداء بسلخ الساحل الجنوبي (فلسطين) وتسليمه للكيان الصهيوني، من قبل بريطانيا، وانتهاء بسلخ الساحل الشمالي (الاسكندرون) وتسليمه للكيان التركي.
وتكمن أهمية ذلك في حسابات المتروبولات الاستعمارية بضرب التواصل السوري التاريخي مع أوروبا ومع افريقياً، كما بالتواصل العربي نفسه وخاصة بين مصر وبلاد الشام.
كما يلاحظ أن هضبة نجد لم تستقر إلا بعد أن صارت سواحل الإحساء شرقاً والحجاز وعسير غرباً جزءاً من مشروعها السياسي، لا سيما في لحظة صعود النفط والاستحقاقات الإقليمية والدولية له.
ومن اللافت للانتباه كذلك خارطة سلطنة عمان والبرزخ البري الذي يقسمها إلى قسمين.
5- ايديولوجياً، فإن كل ما سبق لا معنى له دون إعادة إنتاجه على نحو ايديولوجي بين الحين والحين، فمع تحول مركز المشروع الإسلامي من الحجاز إلى الشام بثقافتها وحضارتها وتنوعها، فإن أخطر انشقاق في حركة الخوارج وهو الأزارقة والنجدات مثل الدفاعات الأولية للتأويلات الصحراوية الرملية للمشروع الإسلامي.
وظل هذا الانشقاق يعبر عن نفسه بأشكال مختلفة، من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وعشرات القوى التي خرجت من عباءته.