حتى اللحظة شنّت القوات الأوكرانية عشرات الهجمات المضادة دون ان تُحرز أي تقدم ملموس بحيث تبقى العمليات الهجومية غالباً ضمن المنطقة الرمادية التي تحولت الى مناطق قتل حيث تصطدم القوات الأوكرانية بخط دفاعي منيع انشأه الجيش الروسي بقرارٍ واعٍ استناداً الى تقدير موقف دقيق يرتبط ليس فقط بالقدرات الأوكرانية وانما بخلفيات القرار السياسي للغرب الجماعي الذي يرغب بتحقيق الهزيمة بروسيا عبر استنزافها في المعدات والقدرات البشرية وهو ما لا يسير بحسب رغبة الغرب .
وفي السياق تجدر الإشارة إلى أن القوات الأوكرانية حققت نجاحات تكتيكية معينة واستعادت عددا من البلدات الصغيرة وتقدمت في بعض الاتجاهات، لكنها لا ترتقي إلى مستوى النتائج المرتقبة للعملية التي يمكن تقديمها بشكل مفيد لقيادة الناتو على انها إنجازات يمكن التعويل عليها .
كما ان الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية كان محكوما عليه بالفشل بسبب غياب التفوّق الجوي والناري الشامل، والافتقار إلى الاحتياطات ذات المستوى الإستراتيجي وهنا المشكلة الرئيسية التي وضعت القوات الأوكرانية في موقف صعب لا يمكن حلّه اقلّه على المدى القريب والمتوسط الى حين تزويد أوكرانيا ب 100 طائرة مقاتلة من طراز اف – 16 حيث يمكن القول حينها ان متغيرات ما يمكن ان تحدث .
حتى اللحظة تكرّر القوات الأوكرانية التجربة المريرة للجنرال الألماني إريك فون فالكنهاين في معركة فردان سنة 1916 حيث كان الاعتقاد الراسخ للجنرال الألماني إريك فون فالكنهاين قائد القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى، هو أنّ مفتاح الانتصار أو الخسارة في الحرب هو شنّ حرب استنزافٍ على فرنسا حينها .
وكما اعتبر فاكنهاين منطقة فردان قيمة رمزية يعتبر الأوكران ان استعادة شبه جزيرة القرم او في الحد الأدنى قطع التواصل معها انتصاراً لذلك تم اختيار جبهة زاباروجيا للهجوم جنوباً وتحقيق انتصار اولي يتمثل في تقطيع اوصال الجغرافيا وهو ما فهمه القادة الروس بشكل جيد واقاموا خط الدفاع المسمّى ب ” خط سوروفيكين ” وهو نائب قائد العملية الروسية الخاصة لتحقيق الاستنزاف المضاد بالقوات الأوكرانية .
وكما فالكنهاين اعتقد القادة الأوكران ومن خلفهم قادة الناتو ان توجيه الهجوم بهذه الخلفية والتي روجوا لها إعلاميا وسياسياً سيجعل الجيش الروسي يدفع بكل قواته الى هذه النقاط لتتم عملية خداع على اتجاه آخر .
واقعياً خسرت القوات الأوكرانية منذ بدء الهجوم المضاد 415 دبابة و1300 عربة قتالية مدرعة اغلبها صناعة غربية واكثر من 27 الف جندي بين قتيل وجريح وهو ما يمكن تسميته بمفرمة اللحم التي ستتكرر مراراً طالما ان العقل العسكري الأوكراني يتجه بنفس الإتجاه الحالي .
ولأن شروط نجاح هجوم اوكراني مضاد غير متوفرة وهي تتطلب قوة جوية يُعوّل عليها حيث يتطلب اختراق دفاع عدو مثل الجيش الروسي امتلاك قوات صاروخية ومدفعية مختلفة وقوات مدرعة فضلا عن سلاح المهندسين ، لذلك فمن المتوقع ان تستمر الهجمات بنفس الوتيرة الحالية لإبقاء الجيش الروسي في حالة استعداد قصوى بهدف تحقيق الإرهاق فقط لا غير .
بموازاة الإستخدام الجيد من قبل الجيش الروسي للأرض عبر الإنشاءات الهندسية لخط الدفاع يتم استخدام الأسلحة الدقيقة على المستويات التكتيكية والعملياتية والإستراتيجة بنجاح كبير حيث تقوم الحوامات القتالية من طراز كاموف – 52 بدور رئيسي في تدمير الدبابات والمدرعة الأوكرانية من خارج منطقة تأثير الدفاعات الجوية الأوكرانية ، وكذلك المدفعية والمدفعية الصاروخية التي تؤمن ضربات نارية كثيفة وهائلة .
هذا على المستوى التكتيكي ، اما على المستوى العملياتي والإستراتيجي يستهدف الجيش الروسي بالصواريخ متوسطة وبعيدة المدى مراكز القيادة والسيطرة الأوكرانية وكذلك مستودعات الأسلحة الهامة كصواريخ ستورم شادو وهايمارس والمخابيء التحت أرضية لقيادات الجيش والإستخبارات .
كذلك بدأ الجيش الروسي بتطوير هجماته على محور كراسني ليمان حيث تتقدم وحداته ولو ببطء لكن بثبات والهدف هو الإقتراب مجدداً من مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك لإجبار الجيش الأوكراني حالياً على إبقاء عدد كبير من الإحتياطات الإستراتيجة على هذا المحور وعدم زجها في معركة زاباروجيا على اتجاه الجنوب .
وفي كل الحالات يمكن الجزم ان مفرمة اللحم ستستمر وان الإستنزاف يتحقق بالعديد البشري للجيش الأوكراني وبالمعدات الغربية .
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية