كره الفتاة لأمّها: حقيقة هذه اسبابها وسبل علاجها

ترتبط عادة كلمة “أم” بالعاطفة والحنان والتضحية ومشاعر الحب، وهذا واقع الحال عند معظم الأمهات، لكن ذلك لا ينطبق على جميعهنّ.
فبالرغم من القواعد والموروثات الاجتماعيّة والثقافية والأخلاقيّة وحتى الدينيّة التي تحتم على الأم امتلاكها صفات العطاء والاهتمام والرعاية تجاه الأبناء، كثيرًا ما نجد أمّهات بعيدات عن تلك الصفات، بل خلافًا لتلك الصورة النمطية للأمّ، نرى أمًّا سامّة تتصرّف مع الأبناء بطريقة مؤذية وقاسية، متعمّدة الإهمال والتجاهل والإساءة إليهم بطرق مختلفة. فقد تكون الإساءة نفسيّة أو عاطفيّة أو جسديّة، ممّا يجعل مشاعر الكره تجاهها تتشكّل في نفوسهم رغمًا عنهم، وقد يحصل ذلك في مرحلة الطفولة أو المراهقة أو حتى الرشد، وغالبًا ما يصاحب الشعور بكره الأم شعور بالذنب والخذلان في نفس الوقت.
تقول سابرينا رومانوف، أخصائية نفسيّة وأستاذة في جامعة نيويورك: “يشعر الناس أحيانًا بالكراهية تجاه أمّهاتهم إذا فشلن في تلبية توقّعاتهم حول الصورة التي يجب أن تكون عليها الأمّ بنظرهم”.
وإذا نظرنا في إطار أكثر تحديدًا، ما هي الدوافع التي تجعل الفتاة تكره والدتها؟ وهل كره الأم يدلّ على اضطراب نفسي؟
في الحقيقة لا يوجد اضطراب نفسي محدّد اسمه “كره الأم”، مع العلم أنّه يوجد اضطرابات في الصحة النفسية عند الأطفال والمراهقين خصوصًا، تؤثر على مشاعرهم تجاه الوالدين.
حيث يمرّ المراهقون بكثير من التحوّلات النفسيّة والاجتماعيّة التي تغيّر علاقتهم بالوالدين، لكنّ ذلك يعدّ اضطرابًا مؤقتًا بالعواطف أو انعكاسًا لاضطرابات الشخصيّة لدى المراهق، ويتمّ تقييم ذلك عبر رصد سلوكياته وعلاقته بالآخرين. بالإضافة إلى أنّه قد يرتبط كره الأم ببعض الاضطرابات العصبيّة والنفسية التي يمكن أن تسبّب كره البنت لأمّها وللأهل بشكل عام، منها:

  • اضطراب الشخصيّة الحديّة بما يرافقه من تقلّبات مزاجيّة حادّة وصعوبة شديدة في التعامل مع العلاقات الاجتماعيّة، ما يجعل الفتاة تكره الأفراد من حولها.
  • الاكتئاب خاصة حين تعتبر وقوف الأم جنبها كنوع من التدخّل المزعج وهي تعاني أصلًا من شعور بالانعزال وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين.
  • القلق الاجتماعي الذي قد يؤدّي إلى شعور كره للأمّ نتيجة تفكير الفتاة بأنّ أمّها سبب إحراج لها أو تعرّضها للإساءة.
  • اضطراب ما بعد الصدمة خاصّة إذا كانت الأم المصدر أو السبب للصدمة (الانفصال عن الأب، زواج الأم…) أو غير قادرة على تقديم الدعم النفسي اللازم لابنتها.

بيد فإن هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى كره البنت لأمّها، وأهمّها:

  • الإهمال العاطفي: من أسباب كره الأم هو التعرّض للاهمال العاطفي والتجاهل، حيث تكره الفتاة عدم اكتراث أمّها لمشاعرها وطموحاتها وانشغالها بذاتها وغيابها، وخاصة مع تزايد حاجة الفتاة للاهتمام العاطفي في مرحلة المراهقة.
  • سوء المعاملة: قد يعود كره الفتاة لأمّها إلى تعرّضها للإساءة من قبل والدتها، سواء الإساءة اللفظية (الإهانات والاستهزاء والانتقاد والتحقير)، أو التعنيف الجسدي.
  • الخلافات والمشاكل العائليّة: إذا كان هناك صراعات عائليّة، خاصّة بين الأم والأب، فقد يؤدي ذلك إلى تطوّر المشاكل بين البنت وأمّها في حال تعلّق البنت بأبيها، فقد ترمي مسؤولية الخلاف أو الانفصال على الأمّ، ممّا يسبب شعور الكره.
  • المقارنة مع الأقران: قد تكون الغيرة من علاقة البنات الأخريات بأمّهاتهنّ، والمقارنة بين ما تقدّمه الأمّهات الأخريات لبناتهنّ وما تحصل عليه هي من أمّها، سببًا من أسباب ولادة مشاعر الكره تجاه الأمّ.
  • السيطرة والتحكّم: فسيطرة الأم الكاملة على حياة ابنتها، والتحكّم بكلّ شؤون حياتها وخياراتها، بالإضافة إلى عدم احترام خصوصيّة الفتاة واختراقها الدائم، قد تكون من أسباب كره الفتاة لأمّها.
  • الفجوة بين الأجيال: فإذا لم تستطع الأم مجاراة متطلّبات جيل ابنتها، وتفهّم اختلاف العصر، فقد تتورّط في صراع الأجيال الذي يبني حاجزًا بينها وبين ابنتها، ممّا قد يسبّب كرهًا للأمّ.

أمّا علامات كره البنت لأمّها فهي عديدة، وقد تظهر على شكل انزواء أو تجنّب الحديث مع الأمّ، بالإضافة إلى إهمال البنت لطلبات والدتها ورغباتها، وعدم الاكتراث لمشاعرها. وقد يصل الكره إلى الرغبة بالانتقام من الأمّ عبر الرد عليها بطريقة جارحة وقاسية، أو حتى تخريب أغراضها والتسبب لها بمشاكل مع الآخرين. وقد تصبح البنت شديدة العدائية تجاه الأم، فتصرخ بوجهها وتعبّر عن غضبها، وقد تطلب منها المغادرة من أمامها وتركها وحدها، وتقوم بإلقاء اللوم الدائم على والدتها، وتتعمّد إشعارها بالذنب الشديد حتى على أخطاء الآخرين. ومن الممكن أن تتعلّق الفتاة بشخصيّة أخرى تعاملها كأمّ بديلة، ولا يشترط أن تكون بعمر الأمّ.
ذلك الكره ليس جيّدًا لصحة الفتاة النفسيّة، حيث يصاحبه العديد من المشاعر المؤذية، كالشعور بالذنب والخذلان والغضب. لذلك ينصح بمحاولة إصلاح العلاقة مع الأم، أو أقلّه التعامل معها بطريقة صحيّة، لتخفيف أثر هذه المشاعر قد الإمكان، وذلك عبر:

  • تحديد سبب الكره، وبالتالي تحديد سبب تعامل الوالدة مع ابنتها بطريقة مؤذية، فقد يساعد ذلك على المسامحة والتجاوز في حال كان التعامل نتيجة لمرور الأم بظروف صعبة أو تعرّضها للظّلم والقسوة، وذلك ليس تبريرًا لتلك المعاملة، بل يساعد على مسامحتها.
  • تذكّر اللحظات الجميلة والمشاعر السعيدة التي جمعت بين الفتاة وأمّها، بدلًا من تفكير البنت بالسلوكيات الخاطئة التي مارستها الأم تجاهها في الماضي.
  • وضع الحدود الخاصّة لحماية الصحة النفسية، ويمكن أن يحدث ذلك مع الاستمرار بالتواصل مع الوالدة ولكن ضمن حدود آمنة، دون السماح لها بالاستمرار بالإساءة.
  • تجنّب الأفكار السلبية والتفكير بالكره والأسباب التي تدفع لذلك، واستبدالها بأفكار إيجابيّة مناسبة أكثر، مما يخفف التوتر والغضب الحاصلين نتيجة التفكير السلبي.
  • إفراغ المشاعر السلبيّة على الورق، ومحاولة التعبير عن المشاعر تجاه الوالدين، وكتابة كل ما يجول في خاطر الفتاة من مشاعر حين تتحدّث مع والدتها وحين تنظر إلى عينيها، وعن أسباب كرهها لوالدتها وكيف كانت تتمنى أن تعاملها أمها، فالكتابة ستجعل الفتاة تفرّغ مشاعرها، الأمر الذي يخفف عنها ويشعرها بالراحة.

وينصح أن تحاول الفتاة مسامحة أمها، فالمسامحة لا تعني نسيان الإساءة ولا اعتبارها أمرًا لم يحدث، بل هي تريح من مشاعر الذنب تجاه الكره الذي تكنّه لوالدتها، وتجعل حياتها تسير بشكل أفضل.
كما ويفضّل أن تحاول الابنة التحدث إلى مختص نفسي بالعلاقات الأسريّة لمساعدتها على التخلص من تأثير تلك المشاعر السلبية على مجرى حياتها وعلاقاتها.

الأخصّائية والمعالجة النفسيّة ريما كسر