المشرق العربي بين فكي الكماشة، 1939 – 1916

مقدمة:

بغض النظر عن التداعيات السلبية المباشرة لإتفاقية سايكس بيكو (1916) على أمن منطقة الهلال الخصيب، فإن إرث هذه الاتفاقية لا يزال يلقي بظلاله على النزاعات الحالية في هذا الجزء من العالم. فبعد مئة عام من التوقيع على الاتفاقية المذكورة، كثر الحديث عن اعادة ترسيم حدود بعض دول المشرق العربي (لبنان، سورية، العراق) كنتيجة لحروب داعش واخواتها من ارهابيي هذا العالم المتوحش. فما هي أهم بنود اتفاقية سايكس بيكو التي اقتطع بموجبها من لا يملك ويقدمها الى من لاحق له. بمعنى آخر، إن احتلال تركيا للواء الاسكندرون، وبالتالي، إنطاكية، قبلة المسيحيين الارثوذكس، يوازي جريمة احتلال القدس من قبل العصابات الصهونية.

مندرجات اتفاقية سايكس بيكو وتداعياتها:

ما ان قطعت بريطانيا وعداً للعرب بتأييد وبدعم استقلالهم بحسب مراسلات الحسين – مكماهون حتى بدأت مفاوضاتها مع فرنسا حول تقسيم المشرق العربي الى مناطق نفوذ فيما بينهما. اعتمدت المفاوضات السريّة بين لندن وباريس وموسكو على فرضية ان الوفاق الثلاثي سوف ينجح في هزيمة السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى، ومن ثمّ يتم اقتسام الاراضي التي تسيطر عليها بين الدول الثلاثة.

جرت المفاوضات ثنائية في البداية بين ممثل بريطانيا، السير مارك سايكس، الخبير في المسائل الشرقية، وبين ممثل فرنسا، جورج بيكو، الذي كان يشغل في السنة السابقة للحرب، منصب القنصل العام في بيروت. وبعد ان تفاهما على تركة “رجل اوروبا المريض”، توجها الى موسكو من اجل اخذ موافقة حكومة روسيا القيصرية عليها. ونتج عن المفاوضات الثلاثية توقيع الاتفاقية المعروفة “بإتفاقية سايكس بيكو في 16 ايار 1916. وأهم ما تضمنته الاتفاقية هي البنود التالية:

  1. وهبت الاتفاقية للندن ما هو اليوم فلسطين والاردن وجنوب العراق (البصرة وضواحيها)، ومنطقة اضافية صغيرة تشمل مينائي حيفا وعكا للسماح بالوصول الى البحر المتوسط.
  2. اعطاء جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسورية ولبنان لفرنسا.
  3. انشاء دولة عربية شبه مستقلة في المنطقة الواقعة بين هاتين المنطقتين، على ان يخضع نصفها الغربي للنفوذ الفرنسي ونصفها الشرقي لبريطانيا.
  4. تحصل روسيا على ارمينيا الغربية بالاضافة الى القسطنطينية والمضائق التركية.
  5. تدويل فلسطين.
  6. اعلان الاسكندرون ميناءً حراً. (انظر الخرائط المرفقة).

 لم تدم سرية الاتفاقية لفترة طويلة. لقد تمَ رفض المطالب الروسية بأقتطاع أراضٍ من السلطنة العثمانية بعد الثورة البلشفية. فما كان من البلاشفة ان اصدروا نسخة من اتفاقية سايكس بيكو، وكشفوا عن نصوصها في صحف أزفسيتا وبرافدا في 23 تشرين الثاني 1917. كل هذا تسبب بالحرج الشديد للحلفاء، وزاد من انعدام الثقة بينهم وبين العرب.

أولاً: من جهتها، وبعد الاطلاع على بنود الاتفاقية، عمدت اليطاليا الى المطالبة بتحديد حصتها من اراضي السلطنة. وهكذا، وتحت الضغط الايطالي، اجتمع رؤساء كل من بريطانيا وفرنسا واليطاليا في Saint-Jean-de Maurienne في 17 نيسان من عام 1917 ووقعوا اتفاقية تضمّنت اعتراف كل من لندن وباريس باقتطاع روما لأجزاء واسعة من الاراضي التركية الواقعة في الجنوب الغربي من الأناضول، وبمد نفوذها الى شمالي أزمير.

ثانياً: ان انسحاب روسيا البلشفية من الحرب العالمية الاولى أدّى الى عدم دعوتها الى مؤتمر الصلح، وبالتالي لم تأخذ الدول المنتصرة بعين الاعتبار للبند المتعلّق بتحديد حصتها من اراضي السلطنة العثمانية، في حين ان الاطراف الاخرى، وبخاصة فرنسا، تمسّكت ببنود اتفاقية سايكس بيكو، وبذلت كل ما في وسعها من اجل اعتمادها في صلب مقررات مؤتمر الصلح.

ثالثاً، تعارضت اتفاقية سايكس بيكو مع مراسلات الحسين -مكماهون (1915-1916). لقد تضمّنت الاتفاقية المذكورة العديد من نقاط الاختلاف، اهمها:

  • وضع العراق في المنطقة الحمراء البريطانية؛
  • التوجّس العربي من ان المستشارين البريطانيين والفرنسيين سوف يسيطرون على المنطقة الموعودة للشريف حسين بأن تصبح دولة عربية.
  • ان المراسلات لم تذكر فلسطين، وما في ذلك من تغييب متعمد لهويتها العربية والوطنية في آن معاً.

رابعاً، اتفاقية سايكس بيكو تمّ التفاوض بشأنها بدوافع اقتصادية اولاً. فالاتفاقية رسمت حدود نفوذ لكل من بريطانيا وفرنسا اللتان لم تكونا مهتمتين بإنشاء دول مستقلة. غير ان نجاح الحركة الصهيونية في استصدار وعد بلفور في 2 تشرين الثاني من عام 1917 مهّد الطريق امام نظام الانتداب. فليس من قبيل الصدف انه بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب، تنازل الفرنسييون عن فلسطين والموصل الى البريطانيين الذين، بحسب وعد بلفور، نظروا “بعين الارتياح الى انشاء وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي”. من جهتها، حصلت باريس على وضع بلاد الشام وما بين النهرين تحت سلطة الانتداب الفرنسي في مؤتمر سان ريمو (San Remo Conference) في نيسان 1920 حسب اطار اتفاقية سايكس بيكو.

أخيراً، في الذكرى المئوية لسايكس بيكو سنة 2016، ازداد الاهتمام بها في وسائل الاعلام والاوساط الأكاديمية على حدّ سواء. لقد اتهمت الاتفاقية بأنها زرعت بذور لصراعات لا تنتهي، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار حق الشعوب في تقرير مصيرها. حتى ان الاتفاقية لم تسلم من ادبيات داعش الارهابية، والتي لا تؤمن بالحدود وبالهويات الوطنية. ففي خطبة الجمعة في تموز 2014 في جامع النوري الكبير في الموصل، اعلن ابو بكر البغدادي بأن “هذا التقدّم المبارك لن يتوقّف حتى نصل الى المسمار الاخير في نعش مؤامرة سايكس بيكو”. ومن ينظر اليوم الى ما يجري في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، لا بد له من العودة الى دراسة تداعيات اتفاقية سايكس بيكو وتحكمها بكامل المشهد المتفجّر في منطقة المشرق العربي.

فمنذ بروز “المسألة الشرقية” في منتصف القرن التاسع عشر والمشرق العربي لا يزال صريعاً للحزبيات الدينية التي حولتّه الى جسد بلا روح، وجعلت من ابناءه قطعاناً تتحكّم بتحولاتهم الاجتماعية والسياسية  عصبيات واحقاد لم تنته. وما يزيد الطين بلّة، ان كل هذه الحزبيات الدينية تتوافق فيما بينها على شعار واحد: الخلاص يجب ان يأتي من الخارج؛ وهم لا يدركون بذلك ان مصيرهم تقرره الارادات الاجنبية. حتى المراسلات بين الشريف حسين ومكماهون والتي تضمّنت وعوداُ بريطانية برّاقة بالاستقلال، لم تكن مسجّلة في وثائق رسمية كوثيقة وعد بلفور؛ فبقي ابناء المشرق بلا قضية وبلا دولة؛ يتنافسون ويتناحرون حول ايهما افضل لإحتلال البلاد، بريطانيا ام فرنسا. من جهته، يصف انطوان سعاده الحالة المزرية التي وصلت اليها بلاد الشام على النحو التالي:

في دمشق حصل تصادم في عهد الامير   فيصل  بين الحسين العربي، بين الشاميين والعراقيين. وكانت اسباب ذلك التصادم النظرة المحلية والمسائل الخصوصية او الشخصية والحزبية الدينية. ولم يمكن توحيد النظر بين الشاميين والعراقيين لأن حزبية السنيين في الشام وحزبية الشيعيين في العراق كانتا اقوى من كل قضيّة وموضوع آخرين. وفي لبنان ظهرت حزبيّة المسيحيين ظهوراً جليّاً. وفي فلسطين نشطت حزبية السنيين وفي بعض انحاء الشام نشطت حزبية العلويين في سلسلة الجبال المكملة لجبال لبنان وحزبية الدروز في جبل حوران[1].

قصة اللواء السليب:

هكذا، وبينما كانت شعوب المشرق تتخبّط في قضاياها الجزئية من حزبيات دينية وعائلية، كانت تركيا الموحّدة بعصبياتها الدينية والقومية تتوثّب للنهوض من كبوتها. اغتنم مصطفى كمال نجاح ثورته ووجه اهتمامه الى احتلال الشمال السوري. وكان له ما اراد وذلك للأسباب التالية:

  1. ضعف فرنسا الخارجة من الحرب منهوكة القوى.
  2. انشغال اهل المشرق بخصوصياتهم العشائرية والطائفية.
  3. لم يجد “الاسلام السياسي” اي ضير في ان تقتطع تركيا المسلمة اجزاء من الهلال الخصيب. وكان بعض المشايخ المتعصبين يرددون: “هنا ارض اسلام وهناك ارض اسلام، فأين هي المشكلة؟ ما يفجع حقاً هو ان سبب الاستغناء عن اقليم اسكندرون هو ديني ومذهبي. لقد ارتأى الاسلام السياسي ان لواء الاسكندرون غني بموكونات سكانية غير سنيّة المذهب مما سيعطي هذه الشرائح تمثيلاً أكبر في الحياة السياسية السورية.

خلاصة القول ان الاتراك تمكّنوا بسهولة من احتلال كيليكيا والاسكندرون ومدينة انطاكية، قبلة المسيحيين الثانية بعد القدس. من جهتهم كان البريطانيون يعتبرون ميناء الاسكندرون المنطقة الأكثر استراتيجية في شرق المتنوسط، ويعتبرون ان هناك رابط استراتيجي بين خليج الاسكندرون وجزيرة قبرص اللذان يباعدهما مئة كيلومتر، مشيدين بقدرته على حماية المصالح البريطانية في قبرص من اي اذى عبر البحر، خصوصاً من قبل روسيا.

تشكّل قبرص عقدة استراتيجية بالنسبة للأتراك، خاصة في الاحواض البحرية المجاورة لها؛ فهي مخرج خليج الاسكندرون، وبالتالي، فإن سيطرة انقرة على الجزيرة – او على جزء منها على الاقل- يعتبر امراً محوريّاً لضمان استقرار حركة وسائل نقل الطاقة من انابيب وناقلات نفط عبر خليج الاسكندرون الى العالم. وبالفعل، لعبت قاعدة اسكندرون العسكرية الدور الرئيسي في العملية العسكرية التركية التي أدّت الى احتلالها لشمال قبرص عام 1974. حديثاً، اعتبر احمد داوود اوغلو ان “إقصاء تركيا عن بحر ايجه، وتطويقها من الجنوب من قبل القبارصة اليونانيين، يعني اغلاق منافذ انفتاحها على العالم[2].

إن تصاعد وتيرة التأييد الشعبي للحركة الكمالية على خلفية معاهدة Sèvre (1920) التي قضت بتنازل السلطان عن الاراضي العربية ويجعل منطقة المضائق منزوعة من السلاح تحت اشراف لجنة دولية، وجه مصطفى كمال قواته باتجاه الدردنيل، الامر الذي دفع بكل من باريس ولندن الى التفاوض معه، ومن ثمّ التوقيع على اتفاقية الهدنة بين الطرفين في 18 تشرين الاول من عام 1922. هذا الحدث اطلق يد حكومة كمال في ادارة الاستانة. وكان من البديهي ان اول عمل قامت به حكومة كمال الجديدة هو خلع السلطان محمد السادس في 6 تشرين الثاني 1922.

في هذا الجو من الانتصارات الكمالية، عقد مؤتمر لوزان بهدف الغاء مفاعيل اتفاقية Sèvre التي تجاوزتها الاحداث. وبنتيجة المناقشات، توصل المؤتمرون الى توقيع معاهدة لوزان في 24 تموز 1923، واهم ما تضمّنته هذه الاتفاقية:

  1. استعادة تركيا لكامل سيادتها على الاستانة.
  2. الاعتراف لتركيا بكامل سيادتها على الاناضول[3].

من تداعيات هذه الاتفاقية نذكر ما يلي:

  1. اعادت لتركيا هيبتها الدولية. فكانت النهضة الحديثة وبناء الدولة القومية بعد ان كانت تضم اشتاتاً من الامم والشعوب.

2- فتحت الباب امام التغلّغل التركي في كيليكيا بعد تصريحات علنية بوجوب ضم انطاكية والاسكندرون الى تركيا. كل ذلك ترافق مع بدء حملة لإستخدام الاحرف اللاتينية في المناهج التعليمية والصحف بدلاً من الاحرف العربية.

3- قيام نواب برلمان لواء الاسكندرون في العام 1926 بفصل لواء الاسكندرون عن دولة سورية، مؤسسين “دولة شمال سورية”؛ والحقوها بسلطة المندوب السامي بشكل مباشر، وذلك بحجة دوافع اقتصادية عُزيت الى منع دمشق زراعة القطن في لواء الاسكندرون، وتحيزها ضد التركمان في التعيينات الادارية. من جهتهم، لم يستطع السوريون ابداء اية مقاومة تجاه هذه التطورات. لقد كانت حكومة جميل مردم منهمكة بمشاكل الداخل السوري، وأبرزها معارضة الفئات الاسلامية السنية لسياساتها العلمانية,

وبالعودة الى النظرة التاريخية، نعيد ونكرّر أنه بينما كان اهل المشرق منشغولون في قضاياهم المذهبية، كانت تركيا الموحّدة طائفيّاً وقوميّاً تعد العدّة لإحتلال كيليكيا الغنية من خلال اغتنام فرصة ضعف فرنسا ليستولوا على منطقة الشمال السوري بشكل كامل. ففي اواخر عام 1936 تمّ الاتفاق بشكل مبدئي بين تركيا وفرنسا على منح منطقة الاسكندرون نوعاً من الاستقلال الاداري وبجعل حمايتها مشتركة بين الدولتين. وكانت هذه الخطوة الاولى نحو الغاء السيادة السورية عليها وسلخها عن الوطن السوري والحاقها بتركيا. وفي 29 ايار سنة 1937، اصدرت الجمعية العامة لعصبة الامم نظام منطقة الاسكندرون التي سميت “جمهورية هاتاي” وقانونها الاساسي. لكن أبقي النظام المذكور على صلة رسمية بالجمهورية السورية. وعلى أساس “معاهدة الصداقة” بين انقرة وباريس التي عقدت في 4 حزيران 1938 تمّ السماح لتركيا بتعزيز الحضور التركي في اللواء. أخيراً، وفي 23 حزيران 1939 اتفقت الدولتان على نقل السيادة على الاسكندورن الى تركيا بشكل كامل.

إن البروتوكول المعني بترسيم الحدود بين تركيا وسورية الذي وقعتّه كل من انقرة وباريس بتاريخ 3 ايار 1930 هو بروتوكول غير قانوني لأنه مخالف لنص المادة الرابعة من صك الانتداب الفرنسي على لبنان وسورية. لقد نصّت المادة المذكورة على ما يلي: “الدولة المنتدبة مسؤولة عن عدم التنازل على اي جزء من اجزاء سورية ولبنان وعن عدم تأجيره او وضعه تحت تسلّط دولة اجنبية”. ولا بدّ في هذا السياق من طرح السؤال التالي: هل يمكن لسورية ما بعد الاستقلال ان ترفع دعوى قانونية للتعويض عن خرق صك الانتداب عليها؟

بداية، المتمسكون بالقانون الدولي يرون ان قرار عصبة الامم بتحويل لواء الاسكندرون الى محمية يحتمل المشروعية. ان اقرار النظام الاساسي الخاص بلواء الاسكندرون من قبل عصبة الامم قد وضع سورية في موقف عسير، اذ لم يعد بإمكانها ان تستعيد اللواء الى السيادة السورية، لكن بإمكانها ان تطالب بالحفاظ على ارتباطه الرسمي بدمشق[4].

فنقطة البحث اصبحت الآن مدى مشروعية فصل محمية لواء الاسكندرون عن سورية,

هذه المسألة، وان لم تناقش في مجلس عصبة الامم، الا انها نوقشت في جلسات مفوضية الانتداب الدائمة، في الجلسات رقم 35 و 36 بين عامي 1938 و 1939، حيث تمّت مساءلة مندوب فرنسا في المفوضية، روبرت دوكيه، بخصوص مخالفة فرنسا للمادة الرابعة من صك الانتداب. أقرّ دوكيه ان التسوية الفرنسية مع تركيا حصلت في اطار سياسي “لا قانوني”، والان يجب عدم فتح الموضوع مجدداً كون لواء الاسكندرون قد خرج من نطاق صلاحيات المفوضية؛ ولم تتمكّن المفوضية من الرد او استكمال التحقيق بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية التي انهت وجود عصبة الامم واغلق معها قضية لواء الاسكندرون[5].

من الواضح ان هذه الشروحات غير مقنعة، وذلك للأسباب التالية:

  1. مخالفة فرنسا للمادة الرابعة من صك الانتداب على سورية ولبنان.
  2. عدم مشروعية اتفاقية 23 حزيران 1939؛ وليس صحيحاً ما قاله المندوب الفرنسي دوكيه من ان “ما فعلته فرنسا كان أشبه بضريبة صغيرة دفعتها لصالح سورية ولبنان[6].
  3. هناك قاعدة ناظمة لإنفصال المحميات الدولية، تقول بأن سلطة الدولة الحامية بإدارة الشؤون الخارجية للمحمية لا تخولها ضم المحمية الى طرف ثالث، الا اذا سمح بذلك بموجب صك الانتداب مع مراعاة التشريعات المحلية. وهذا لم يحدث في حالة ضم لواء الاسكندرون الى تركيا.

وعليه، فإن الباب القانوني لا يزال مفتوحاً امام سورية لرفع دعوى قضائية ضد فرنسا. فالحدود الحالية بين سورية وتركيا هي De Facto وليست De Jure. أضف الى ذلك، لا بدّ من الدفع بمشروع انفصال في اقليم “هاتاي”، ومن ثمّ المطالبة بحق تقرير المصير للشعوب خارج الاطار الاستعماري وعلى اساس مندرجات القانون الدولي.

خاتمة:

هذه بإختصار شديد قصة اللواء السليب والتي أظهرنا خلالها التواطؤ الفرنسي مع تركيا ضد شعوب المنطقة. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار التواطؤ البريطاني مع الحركة الصهونية، فيكون المشرق العربي قد وقع بين فكي كماشة، “تركيا في الشمال واسرائيل في الجنوب؛ ولكلا الدولتين” اطماعاً توسعية في احتلال المزيد من الاراضي، أكان ذلك في الشمال السوري او في جنوب لبنان.. ان اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ونظام الانتداب والعصبيات المحلية هم من جلب كل هذا الويل على المشرق العربي.

المطلوب من الاثوذكسية السياسية في كل من موسكو واثينا ويرفان ونيقوسيا العمل على اقامة حلف لتعزيز الحضور الاورثوذكسي على الساحة الدولية، ولحماية دول المشرق من التفتيت والتجزئة.

فالقوى الغربية لا تزال تظهر عن مشاريعها الخفية اما عن طريق ما سمي “الربيع العربي”، او مشروع برنارد لويس الذي اطلقه عام 2003. يلحظ لويس ان ما حدث في النصف الاول من القرن العشرين ان اسماء مناطق تحوّلت الى دول مصطنعة في غياب اي شعور بالهوية الوطنية او اي ولاء للدولة. وعليه، فإن الدول العربية معرّضة للتفكك بسبب ازدياد الشعور الاثني والطائفي، دونما اي اشارة الى من يقوم بتغطية هذا الشعور العرقي والتفكّك الاثني. 


[1] – انطون سعاده، الاعمال الكاملة: 1944- 1947، المجلة رقم 67 بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة 2001، ص، 360.

[2]  احمد داوود اوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة محد ثلجي وطارق عبد الجليل، مركز الجزيرة للدراسات، 2010، صـ 202

[3] رياض الصمد، العلاقات الدولية في القرن العشرين، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات، 1986، ص، 117-119.

[4]  ابراهيم فوزي ونديم شمسين، قضية الاسكندرون والسياسة الفرنسية في سوريا – 1918-1946، 2004، ص، 388-389.

[5] -Majid Khadduri, The Alexandretta Disputte, The American Journal of International Law, Vol: 39, No:3, 1945, P, 424.

[6] – Ibid., p. 424

عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية البروفسور كميل حبيب