التعاطي النفسي مع أبناء الشهداء.. عن صمود أبعد من عدسات الكاميرات

بلادنا ولّادة شهداء، فواقعها الجغرافي حتّم عليها أن تكون في قلب الصراع، وأن يناضل أبناؤها في سبيل تحرير الأرض والإنسان باستمرار، وهو ما يعرّض تاليًا أجيالًا بأسرها لأن تعيش حالة الفقد نتيجة استشهاد أحد أفراد اسرتها. وفي الكثير من الحالات، وتحديدًا في فلسطين، من يقف على خط النار، ومن يلحق به العدو إلى بيته ليغتاله هو المقاوم، المقاوم الأب الذي ان نجت عائلته من اجرام العدو يستشهد هو في مواجهة الاحتلال. امام عدسات الكاميرا نشاهد مظاهر الصمود، والقوة، فشعبنا حي لا يرضى الخنوع حتى حين يخسر من جسده أهم أضلاعه، ولكن بعيدًا عن العدسات هناك جهد يجب أن يبذل كي لا يكون استشهاد عزيز هو موت لمستقبل طفل وعائلة، وكي لا يكون أيضًّا هدّامٌ لطفولة يجب أن تعاش. فلأبناء الشهداء حقوق على مجتمعهم، يجب أن يتم توفيرها.

إنّ فقدنا لعزيز نحن البالغون يشكّل عبئًا نفسيًّا يؤدّي بنا إلى الحزن الشديد، ومجموعة من المشاعر المتضاربة مثل الإنكار والصّدمة وعدم التقبّل، فما بالك لو كان المصاب بالفقد والفراق لأحد الوالدين أو المقرّبين هو طفل لم يبلغ العاشرة من عمره، كيف سيكون حاله؟ وكيف لنا أن نتعامل مع هذا الطفل؟
فالأطفال يدركون عادة وجود الموت ويتعرّضون لصورته بشكل متكرّر في أفلام الرسوم المتحرّكة والقصص الخرافيّة لكنّهم لا يفهمون ماهيّته تمامًا.
لكنّ تجربة الفقد قاسية ومؤلمة، وما يجعل الأمر صعبًا على الأطفال هو عدم تمكّنهم من التعبير عن مشاعرهم بشكل كامل، وهو ما يعيق تفريغ مشاعر الحزن والغضب، كذلك افتقارهم للمهارات اللّازمة للتكيّف وتخطّي شعور الفقد.
هذا ويختلف إدراك الأطفال لمفهوم الموت بحسب العمر، وبحسب نمو الطفل العاطفي والبيئة الاجتماعيّة، كذلك يختلف بحسب خبراته السابقة مع الفقد والدّعم الذي تلقّاه من العائلة، وبحسب شخصيّته.
فنرى في المجتمعات الثوريّة وأصحاب القضايا الوجوديّة والهادفة للدفاع عن الأرض والإنسان أنّ فكرة الموت في سبيل القضيّة ليست فقط مقبولة، بل مرحّب بها، لأنّها مرتبطة بالشهادة.
فتلك القناعات والمخطّطات الفكرية المتعلّقة بأهداف الموت تخفّف من وطأة ألم الفقد وتستبدله بشعور فخر واعتزاز حتّى عند الأطفال. كذلك فإنّ البيئات المتديّنة والّتي يتلقّى أطفالها التعلّم منذ نعومة الأظافر عن الموت وحتميّته وماذا يحدث بعده، تختلف ردود فعل أطفالها عن هؤلاء الّذين يجهلون العلم به.
وفي كلّ الأحوال، لا يمكن حماية الصّغار من الألم، تمامًا كما لا يمكننا حماية الأحبّاء من الموت، لكن ما نستطيع تقديمه لهم هو مساعدتهم على التّعبير عن مشاعرهم، واستعادة شعورهم بالأمان، وبناء مهارات صدميّة للتعامل مع ألم الفقد والخسارة عبر الخطوات التالية:

  • تقبّل مشاعر الطفل وتشجيعه للتعبير عنها، فعادةً ما يعاني الأطفال في فهم المشاعر الحادّة الّتي يمرّون بها والتّعامل معها، فيجب مساعدة الطفل في التّعرّف على مشاعره، والتّعبير عنها كلاميًّا، وفي حال عدم قدرته يمكن مساعدته في التعبير عنها من خلال الرسم، ويساعد تصفّح صور المتوفّي وحكاية القصص عنه في ذلك.
  • إيصال رسالة للطّفل بأنّ والده المتوفّي/المستشهد سيرغب بأن يواصل ابنه حياته بشكل طبيعي، فنذكّره بمشاعر الحبّ الّتي يحملها له، وبأنّه بالطّبع سيحدث تأثيرًا بحياته الطّبيعيّة، لكن عليه ألّا يستمرّ فيها للأبد، فسعادة والده دومًا تكون من سعادته.
  • الحرص على قضاء المزيد من الوقت مع الطفل، والتحدّث معه دائمًا عن مشاعره ومساعدته على العناية بنفسه. ومن المهمّ أن يبتعد الطّفل عن أيّ نقد ذاتيّ أو لوم أو شعور بالذنب، والعمل على قيام الأمّ أو شخص مقرّب بممارسة النشاطات الّتي اعتاد أن يمارسها مع أبيه.
  • دفع الطفل إلى الاختلاط بأصدقائه وأقاربه بأكبر شكل ممكن، فهو قد يشعر برغبة في الوحدة بسبب حزنه، لكن الاختلاط سيساعده في التعامل مع مشاعره.
  • معاودة ممارسة هواياته ونشاطاته بعد فترة الحداد، ممّا يساعده على تفريغ مشاعر الحزن والطّاقة السلبيّة بداخله، كالرّياضة والمشي، أو قراءة القصص المفضّلة، وقد يفيده كسر الروتين اليومي بالذّهاب لأماكن جديدة أو التّسجيل بأنشطة جديدة (رياضيّة أو فنيّة).

ويُنصح للأمّ أو المقرّبين من الطفل إبلاغ الطفل فورًا خبر الوفاة كي لا يتعرّض للصّدمة في حال سماع الخبر من شخص لا يعرفه، فيخبرونه الخبر بصوت وأسلوب هادئين دون صراخ، واستخدام عبارات مفهومة دون استخدام العبارات الخياليّة الملطّفة (مثل السّفر أو الصّعود للسّماء). ويمكن السماح له بحضور الجنازة إذا أراد ذلك مع تهيئته لما عليه أن يتوقّع رؤيته وأن لا يُجبر على ذلك.

أمّا في حال ظهور الأعراض التّالية:

  • ضعف التّركيز والأداء الدّراسيّ
  • وجود مخاوف غير منطقيّة
  • الشجار مع الأطفال الآخرين
  • فقدان الرّغبة باللّعب والانعزال
  • اضطراب النوم أو التّبوّل اللّا إرادي
  • تمحور ألعابه حول موضوعات الموت
    يُنصح باللّجوء إلى العلاج النّفسي خوفًا من احتمال الإصابة باضطراب ما بعد الصّدمة أو حتّى التّعرّض لصدمة قويّة الأثر النّفسي يصعب تخطّيها على الطفل دون مساعدة مختصّ بالصّدمة النّفسيّة لتعليمه الطرق الصحيّة للتّعبير عن ألامه والتّعامل معها والتّعافي منها.

.الاخصّائية والمعالجة النفسيّة ريما كسر