مضى على الحرب الأممية على سوريا أكثر من اثني عشر عاماً، وكانت حالة النزوح منها إلى دول الجوار المحيطة والعالم أحد ابرز نتائجها الاجتماعية، وأحد الاستهدافات الاستراتيجية التي تضاف إلى الأهداف الأخرى لهذه الحرب من عسكرية وسياسية، على الجمهورية العربية السورية وعلى المنطقة.
تقول الإحصاءات أن الحرب سببت نزوح نحو ستة ملايين نسمة توزعو على دول الجوار السوري، في الأردن وتركيا ومصر والعراق والنسبة الأكبر إلى لبنان، حيث جمعتهم هذه الدول في مخيمات جهزت لهذه الغاية، ما عدا لبنان، أنشأوا مخيماتهم، التي بلغت أكثر من ثلاثة آلاف مخيم عشوائي نشرت بأكثريتها في البقاع والشمال.
يومذاك، كانت الدولة اللبنانية ترفع شعار النأي بالنفس، وبالطبع قصدت الدولة اللبنانية منه تحييد نفسها عن اتخاذ أي موقف، يعكر علاقاتها مع الغرب خصيصاً، الداعم للحرب وبالمقابل كانت ترفض اتخاذ أي موقف يردع تداعيات تلك الحرب على البلد فلم توقف زحف النزوح ولا قوننته ولا حددت حجم قدرتها على الإستيعاب.
هي أيضاً لم تمنع دخول المقاتلين الداعمين لقوى الإرهاب وتركتهم “دفرسوار ” لبعض الراغبين بهزيمة الدولة السورية، وهكذا عندما تمكن المسلحين من التمدد نحو حدود لبنان الشرقية وهددوا الوضع الأمني اللبناني تهديداً كبيراً من خلال توسعهم نحو الحدود، وتمكنهم من توزيع المتفجرات إلى أنحاء عديدة داخل لبنان بكل مناطقه، حيث أدت إلى زرع الرعب والقتل والموت في أحياء سكنية عديدة، إلى أن استطاعت المقاومة تغيير قواعد اللعبة ومساندة الجيش السوري على الانتصارفي الداخل وكذلك في المناطق الحدودية الشرقية بعدما استطاعوا خطف عسكريين لبنانيين وابتزاز القيادات السياسية ثم قتلهم وهم رهائن. ولا حاجة للتذكير بأبو التلة، وأسرى القوى الأمنية وتحرير راهبات معلولا … والحكايات كثيرة عن تلك الحقبة السوداء.
اليوم بعد انتصار سوريا على الحرب العالمية عليها وإعادة وضع أسس الدولة من جديد، وإعادة مناطق عديدة الى كنف الدولة، طبعاً مع بقاء مناطق أخرى تنتظر الحلول السياسية والعسكرية كذلك، علماً أن الزلزال الأخير أعاد زرع الرعب في النفوس، أيضا لا بد من الإشارة أن النظام السوري كان قد اتخذ سلسلة قرارات وإعفاءات تتيح تسهيل عودة الكثيرين من دول الجوار، لاسيما وأن اعداداً كبيرة من النازحين توزعوا خارج دول الطوق في سوريا، وتوجهوا نحو أوروبا والمانيا تحديداً بأعداد كبيرة بعدما سبق لهذه الدول أن اتخذت سياسة الباب المفتوح حيث نزحت أيضاً رؤوس الأموال واليد العاملة السورية مما فتح شهية الحكومات على استقبالهم دون تردد.
اليوم، يقصد بعض السياسيين اللبنانيين جعل قضية النزوح السوري، إحدى قضايا الخلاف لإستهدافات عديدة، أبرزها محاولة استقطاب الشارع الفئوي نحو قضايا عنصرية تعيد وضع الشارع في يدها تحت عنوان المخاطر الديموغرافية والشارع المسيحي جاهز لهذه المخاوف بعد ما أصابه سابقاً من تهويل لتوطين الفلسطينيين، وبعد الإحصاءات المرعبة عن حجم هجرة الشباب “المسيحيين “نتيجة الواقع الاقتصادي.
في المقابل تظهر الإحصاءات التقديرية التي يتم تداولها من قبل مصادر الأمن العام اللبناني، عن عدد السوريين المقيمين في لبنان أنهم نحو مليونين نازح وهناك نحو 80 ألف نازح فقط مسجلين في المفوضية العامة لشؤون النازحين، كما وتأتي إحصاءات الولادات الحديثة للنازحين المرتفعة جداً مقابل الولادات اللبنانية، ومعظم هؤلاء غير مسجلين لدى الدولة السورية، لتترك مخاوف كثيرة من النوايا والأهداف، التي ترسمها الدول الراعية لشؤون النازحين لهذا الكيان.
الأمر الآخر الذي يعطي بعض الأطراف اللبنانية صدى لكلامهم التحريضي على النازحين، هو الوضع الاقتصادي وكذلك البيئي الذي سببته المخيمات العشوائية على الأنهر وتلوثها وعدم متابعة المنظمات الاممية لهذه النتائج. أيضا إن سياسة الحصار المالي على لبنان لم تترك مجالاً لبقاء الخبز المدعوم، والمحروقات المدعومة والدواء المدعوم … وانهيار العملة مقابل الدولار كله اصبح في خبر كان، في حين يرى اللبنانيون ازدحام النازحين طوابير أمام ماكينات قبض البنوك ((ATM ليقبضوا رواتب شهرية وبدلات تدفئة ومساعدات وحتى ثياب، وبدل تعليم ونقل وكتب وقرطاسية، كل هذا التمييز في أجواء الانهيار الاقتصادي والحصار الدولي على لبنان، بفعل قانون قيصر، الذي يحاصر الداخل السوري ايضاً، ترك شعوراً خطيراً يجري استغلاله اليوم .
بالرغم من قول المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، انطونيو غوتيريس، قبل سنوات أن الأزمة السورية باتت تشكل أكبر حالة طوارئ إنسانية في عصرنا، يستغل البعض ملف النزوح السوري إلى لبنان، وعدم تنظيمه، من أجل أهداف خطيرة تسيء للبنان وتعزز حالة الإفتراق الإجتماعي بين أبناء الأمة الواحدة في الكيانين، وهذا الاستهداف، يصيب أصحاب العقيدة القومية، أولاً قبل الآخرين ويعيق خيارات التفاعل القومي الواحد في قضايا مصيرية أبعد وأكثر أهمية.
لذلك لا بد من مراعاة تنامي المخاوف من عدم تنظيم هذا النزوح، كما ويستدعي الأمر إهتماماً واسعاً من قبل الدولتين السورية واللبنانية وضرورة تشكيل لجان حوار وزيارات متبادلة بين الوزارات المعنية وكذلك أرفع المسؤولين لكي تتم معالجة الأمر بعيداً عن الاستهدافات ومشاريع الأمم المتمادية في زرع الشقاق، الذي إذا تمادى سيؤدي إلى أحداث تعجل في حصول الفتنة المرسومة.
إن المعالجة يجب أن تحصل سريعاً، وبشكل جذري يأخذ بعين الاعتبار الواقع الإنساني لبلادنا المحاصرة وهذا ما يعيقها قبل أي شيء آخر من خلال مصادرة الاحتلال الاميركي وأدواته لمواردها الغنية النفطية والغذائية، وكذلك منع إعادة الإعمار، وهذا يتم بالضغط على الأمم من قبل السلطة اللبنانية وفتح الحدود بين لبنان وسوريا وبالتالي التعجيل بإنشاء السوق المشرقية زراعياً وصناعياً مما يخفف كثيراً من وطأة النزوح على لبنان ويعيد لسوريا أذرع أبنائها تزرع وتعمر وهي المكتفية تاريخياً.
مقال مهم ويطرح المشكلة والحل براي المخلصين