قبل سنة تقريباً، أعادت عمدة الثقافة والفنون الجميلة تفعيل الندوة الثقافية المركزية التي كانت قد توقفت عن أي نشاط منذ فترة طويلة. وخلال هذه السنة، خططت هيئة الندوة لتنفيذ مشاريع تحقق الغاية التي حددها الزعيم للندوة وهي: “التعمق في درس التعاليم القومية الاجتماعية الـمتضمنـة في الـمبـادىء والشـروح التعليميـة، والتمكـن منها وإيضاح الـمبادىء والقيـم والقواعـد القوميـة الاجتماعية، والقضية الناشئة عنها والنظرة إلى الـحياة والكون والفن الـحاصلة منها، والـمسائل والقضايا التي تعالـجها وموقف الـحركة القومية الاجتماعية منها، وبعث التراث السوري الفكري، والإنتاج الدراسي والأدبي والفني على هذه الـخطط، إحياءً للقيم الـجديدة وتـحقيقاً للثقافة السورية القومية الاجتماعية الـمشتملة عليها”.
وتشكل سلسلة المحاضرات التي استضافتها الندوة عنصراً أساسياً في برنامجها الشامل. وقد إرتأت هيئة الندوة توسيع إطار المشاركة بدعوة عدد من المحاضرين غير القوميين الاجتماعيين لمعالجة موضوعات تصب في السياق العام للفكر القومي الاجتماعي وللثقافة السورية على امتدادها الزمني. وكان الهدف من ذلك نسج علاقات عملية مع شريحة مهمة من المثقفين، إضافة إلى إطلاع الرفقاء الأعضاء في الندوة على المفاهيم الجديدة في مجالات مختلفة.
وقبل أسابيع، ناقشت الهيئة إقتراحاً بدعوة الكاتب فراس السواح لإلقاء محاضرة في الندوة. ولقيت الفكرة قبولاً لأن السواح أصدر مجموعة من الكتب تضيء على التاريخ الحضاري لبلادنا، إضافة إلى مؤلفاته التي حطمت المزاعم التوراتية للتاريخ اليهودي المزور. وتم الاتفاق معه على بحث موضوع تاريخ الكنعانيين وعلاقاتهم مع الأقوام الأخرى، وكذلك تأثيرهم في دورة الحياة الحضارية في سورية الطبيعية.
أسهب المحاضر في شرح أبعاد الثقافة الكنعانية، وركّز على تجلياتها المتنوعة في الموروث الثقافي السوري. وسارت الأمور حسب البرنامج إلى حين فاجأنا السواح بتصريحات غريبة حول كيان العدو، مانحاً إياه بعض الصفات الحميدة، مناقضاً كثيراً مما جاء في محاضراته السابقة ومؤلّفاته حول دحض الأساطير اليهودية وقيام الكيان المُحتل في جنوبنا السوري. وكان من الطبيعي أن يتصدى الرفقاء أعضاء الندوة لهذه الأفكار المناقضة للواقع الذي يعانيه شعبنا في فلسطين على يد نظام عنصري متوحش.
لقد أساءت تلك التصريحات المستهجنة إلى السواح أولاً وقبل كل شيء، لأنه استغل منبر الندوة الثقافية المركزية وهو مدرك تماماً أن الحزب السوري القومي الاجتماعي، والندوة إحدى مؤسساته الثقافية، لا يرى في الدولة الصهيونية إلا ما هي عليه حقيقة: كيان غاصب ليس إلا تجسيداً لأعتى العدائية ولأسوأ مظاهر الشر في وطننا والعالم العربي.
ما أدلى به السواح في ندوة كان من المفترض أن تكون ثقافية تاريخية بامتياز يتحمل تبعاته هو شخصياً. وإذا كان قد استغل المنبر القومي الاجتماعي لإحداث ضجة إعلامية، فإن الندوة الثقافية المركزية في الحزب السوري القومي الاجتماعي ستبقى منبراً حراً للأفكار التي تعزز ثقة شعبنا السوري بأن علاقتنا بالكيان الغاصب هي علاقة النار بالنار، وبأننا حملة مشاعل الحضارة للإنسانية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.
عميدة الثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي د. فاتن المر