الفرنسيون متمسكون بفرنجية

استعانت بعض القوى السياسية بالعرافين وضاربي المندل السياسي وقارئي الفنجان لمعرفة السر الكامن وراء تمسك الفرنسيين بالمرشح الرئاسي النائب الأسبق سليمان فرنجية، وإدارة الظهر للكتل والشخصيات المسيحية الوازنة المعارضة بشدة لبلوغه سدة الرئاسة بذريعة تخندقه في محور الممانعة واعتباره امتدادًا منقحًا لعهد وسياسات الرئيس ميشال عون.
الفرنسيون في هذه المسألة الجوهرية لا يواربون كما انهم لا يناورون، وخيارهم الثابت صار على شاكلة توأمة بين برج إيفل وبرج البراجنة.
ينطلق الفرنسيون بأسبابهم الموجبة من أن رئيسًا يتكئ على فريق قوي في طليعته حزب الله وما يمثل من ثقل معنوي ومقدرات استراتيجية يصعب تجاهله او تجاوزه والقفز فوقه بالمناكفة والعزل والتجاهل والشعارات العنصرية الإقصائية، ولا شك هو رئيس يقف على منصة تخوله من موقع القوي مد الجسور مع القوى الأخرى المحلية والإقليمية، وتسييل تفاهمات الخارج القادمة لا محالة لطي صفحة الشغور، في حين ان رئيسًا من منابت (اللاشيئ) أو الطالع من صفوف القوى (السيادية) مع التقدير لكل الأسماء المطروحة لا قدرة له على الحكم اذا ما تسلح بشعارات نافرة مستفزة لحزب الله، فالواقعية تقضي ألا يتم تحريك جمر الموقد وسط الريح!!
والفرنسيون على قناعة تامة ان حزب الله الداعم لفرنجية وعده صادق وخياره نهائي غير قابل للتأويل أو التعديل، وبالتالي كسر أرادته بالتعطيل والرفض وإطالة أمد الفراغ عبث موصوف وهذيان وغرق في التيه.
أنا السقف العالي الذي رفعه الدكتور جعجع فينطوي على تصور لديه يقول بأن السعوديين ضمنًا لا يريدون فرنجية رئيسًا، فذهب للتصعيد كي يزيح عن كاهلهم قسطًا من الحمولة ولوجهة نظر راسخة في ذهنه من ان التفاهم السعودي الايراني يقتصر على الملف اليمني دون سواه، في حين أنه يشمل الساحات الملتهبة كلها للعبور الى استقرار المنطقة وتطورها وازدهارها، والاستعصاء بنظره سيدفع الاوروبيين والاميركيبن والسعوديين للحديث مع القوى المسيحية المعترضة.
أكثر من ذلك، إنّ تمسك الفرنسيين بترشيح فرنجية ناجم عن حرص فرنسا التاريخي على الكيان اللبناني والمسيحيين على وجه الخصوص في كنف صيغة مستقرة، فالقلق الفرنسي تم التعبير عنه وجاهيًا في اللقاءات الباريسية الخماسية والثنائية مع أكثر من طرف دولي وعربي ويتمحور حول الأسئلة والهواجس التالية:
_ شعور زائد يتملك الفرنسيين ان معادلة فرنجية او الفراغ غير قابلة للانكسار وسيقابلها انكسار بنيوي في الصيغة تجعل من الرئيس ميشال عون آخر رئيس ماروني للجمهورية اللبنانية إذا ما استمر فريق مسيحي بتسلق الشجرة مع مخاطر السقوط الحر والارتطام بدل النزول الهادئ.
وماذا لو رفض المسلمون الصيغة القائمة وذهبوا الى الديمقراطية العددية التي أوقف عدادها الطائف في ظل رفض الحوار حول الرئاسة وغيرها؟؟ وكيف سيقبل الثنائي الوطني وحلفاؤه وخاصة حزب الله الذي اوقف الكيان الصهيوني على رجل ونصف وقدم التضحيات في سوريا لحماية لبنان من غائلة الارهاب وخط بيان المحور المقاوم في المنطقة يتجه صعودًا…كيف سيقبل إخلاء موقع الرئاسة لمن لا يطمئن له، سيان من كان الاسم غير فرنجية ومن ثم يخلي تلقائيًا بحكم التركيبة توليفة الحكومة التي بالطبع ستكون من حصة السعودية مع عدم وجود ضمانات باستنساخ مخرجات اتفاق الدوحة لجهة الاستحصال على الثلث المعطل..
تلك هي فلسفة المقاربة الفرنسية مع محاولة دفع التيار الوطني الحر الى الانسلاخ عن القوات وغيرها من القوى المسيحية وتشكيل غطاء للجلسة المأمولة مقابل ضمانات سلطوية.
ويرى الفرنسيون أن سلوك المسيحيين مجددًا، وعلى الطريقة الاميركية مسلك الاكراد في العراق وسوريا، سيشكل آخر فصول الوجود المسيحي في لبنان.
وعليه فانهم جديون وجادون في خياراتهم من خلال حكم متوازن وسلطة مستقرة وعهد يقوم على فرنجية وحكومة منسجمة كفيلة بنهوض لبنان من كبوته وأزماته، وخلاف ذلك مجهول مفتوح على شتى الاحتمالات المجبولة بالدم والدموع والفوضى والتجارب المرة…
لبنان الذي من بوابة النزوح قد يزول.؟؟؟؟