أصابع اميركا الخبيثة في السودان

في 25 اوكتوبر/تشرين الأول سنة 2021 أصدر رئيس مجلس السيادة تسعة قرارات على خلفية التدخل العسكري والتحفظ على رئيس الوزراء عبدالله حمدوكن وهي:
1- إعلان حالة الطوارئ
2- التمسك الكامل بالوثيقة الدستورية 2019 واتفاق سلام السودان في جوبا
3- تعليق العمل بالمواد 11 12 15 16 24 71 72 من الوثيقة الدستورية
4- حل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه
5- حل مجلس الوزراء
6- إنهاء تكليف ولاة الولايات
7- إعفاء وكلاء الوزراء من مهامهم
8- تكليف المدراء العامين في الوزارات بتسيير الأعمال
9- تجميد عمل لجنة إزالة التمكين

تزامناً جاءت تسمية الولايات المتحدة لسفيرها في الخرطوم، جون جودفري، في الوقت الذي يعيش فيه السودان أصعب مراحله، لتطرح العديد من التساؤلات حول توقيت التعيين وأهداف واشنطن من وراء تلك الخطوة.
لا ينكر أحد الدور الذي لعبته أميركا في تجاوز قرارات ٢٥ أكتوبر/ تشرين أول التي لا تزال تسيطر على المشهد السياسي في السودان.
الذي نعرفه جيدًا أن أميركا ستركز على مصالحها أكثر من التركيز على الانتقال الذي سيؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة، تؤدي إلى ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، وذلك سيجعلها تعمل على إيجاد توليفة سياسية ظاهرها مدني وجوهرها عسكري تنتهي إلى حكومة عسكرية بثوب مدني.
ووفقًا لمعرفتنا الجيدة بالسياسات الأميركية، وأغلب محاور استراتجيتها، فهي قد رفعت من مستوى تمثيلها الدبلوماسي في السودان إلى درجة السفير كي تواكب مستوى علاقتها بالسودان، وتباشر في ترتيب أولوياتها وتضع مرتكزات مصالحها، وتسيطر على منطلقات استراتجيتها، لأنها تعلم جيدًا حجم الموارد الاقتصادية في السودان، وتعلم كيفية استغلالها وتوجيهها.
بعد دخول القتال يومه الحادي عشر يبدو واضحًا أنّ الطرفين الغربيين في الرباعية الخاصة بالسودان، وهما الولايات المتحدة وبريطانيا حتى الآن، هما أكثر دولتين تمارسان ضغوطُا لوقف القتال، وهذا أمر في الظاهر كما عادة الفريق الأنغلوساكسوني (اميركا وبريطانيا) وقد علمتنا التجربة ان ما يخطط له هذا الفريق في الخفاء يختلف عمّا يعبّر عنه في العلن.
على الرغم من أنّ القتال في السودان يجري بين فريقين سودانيين ولأسباب ظاهرها الصراع على السلطة والثروات الاّ ان كلّ من البرهان وحميدتي يرتبطان بالمشروع الأميركي ارتباطًا وثيقًا، وحتى لا نغرق كثيرًا في أسباب اندلاع الإشتباكات وهي أسباب تم شرحها على المستوى الداخلي بإسهاب وباتت معلومة للجميع، فالتركيز برأيي يجب ان يتجه نحو أصابع أميركا الخبيثة وربط ما يحصل في السودان بمجمل المعركة الدائرة في العالم وهي في حقيقتها معركة خطوط مواصلات ومصادر طاقة وموارد مختلفة.
انطلاقًا من هذا التعريف لطبيعة المواجهة العالمية وربطًا بموقع السودان الجيوستراتيجي وحجم الموارد والثروات التي يحتويها السودان لا يمكن تجاوز قراءة المشهد انطلاقً من المشهد الكلّي للمواجهة بين روسيا والصين من جهة والغرب الجماعي من جهة أخرى.
منذ سنوات باتت اكثر وضوحًا أبعاد ومضامين الحضور الصيني والروسي المتنامي في القارة الأفريقية، وتأثير ذلك على النفوذ الأمريكي في القارة، واحتمالات أن يشكل هذا محورًا جديدًا للصراع على النفوذ الذي أصبح سمة غالبة على العلاقات الصينية – الروسية من جهة والأمريكية من جهة أخرى .
وتجسد هذا الصراع بوضوح في السودان، حيث يبرز التنافس المحتدم بين المحورين خاصة في القطاع النفطي.
إن الإمكانيات الطبيعية المغرية لإفريقيا، ومكانتها في الخارطة الجيواقتصادية ومحوريتها في استراتيجية النفوذ والمصالح العالمية لكلا المحورين، كان حتمياً أن يجعل منها محورًا مهمًا لصراع محتمل حاضرًا ومستقبلًا بين اطراف الصراع.
وفي النظر الى خريطة الصراع تتبلور بشكل متسارع جغرافيا اوراسيا التي تتجه الى الاستقرار بما يرتبط بحجم ومستوى التشبيك بين دول اوراسيا المحورية روسيا – الصين – ايران – تركيا – السعودية حيث المجال الحيوي لطريق الشمال الجنوب الذي يمتد من بيلاروسيا – روسيا – أذربيجان – ايران وصولاً الى المحيط الهندي وطريق الحزام والطريق (بحري وبري) الذي ينطلق من الصين ويمر في ايران والسعودية والعراق وسورية ولبنان.
وبدخول السعودية حالة استقرار نتمنى ان تتنامى وتكبر مع ايران يمكن القول ان مضيق هرمز سيتحول مع بحر العرب والخليج الفارسي الى منطقة آمنة ومستقرة، وما المناورات المشتركة التي تجري بين دول اوراسيا الا دليل على محاكاة خطط حماية لهذا المجال الحيوي.
في المقابل لا يقل البحر الأحمر أهمية عن المنطقة الأولى المذكورة أعلاه حيث قناة السويس ومضيق باب المندب كممرين أساسيين واستراتيجيين لأحد اهم طرق الملاحة العالمية.
من هنا تبدو أهمية موقع السودان على البحر الأحمر في أحد فروع طريق الحزام والطريق الذي سيمر في ايران ويتجه غربًا نحو السعودية ومن ثم الى السودان ذهابًا وايابًا خصوصًا اذا ما أدركنا أهمية الحضور الصيني – الروسي في أفريقيا وتأثير الاستقرار على هذا الحضور ايجاباً وتأثير الفوضى السلبي على هذا الحضور.
ختامًا، لا بدّ من التأكيد على انّ الفوضى، والتي تسميها أميركا خلّاقة، لا تزال معتمدة كأصابع خبيثة للعبث باستقرار البلدان بهدف إخضاعها أولًا، ومنع تحالفها مع حلف الشرق الجديد ثانيًا.

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية