في ذكرى مذبحة الأرمن.. الدور اليهودي المحجوب

تعود جذور المذابح التركية ضد الأرمن إلى نهايات القرن التاسع عشر عندما سقطت السلطنة العثمانية تحت سيطرة القناصل الأوروبيين وأقرت مراسيم اقتصادية واجتماعية في خدمتهم وخدمة قوى الاستعمار الأوروبي آنذاك، بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية وألمانيا الصاعدة من قلب امبراطورية النمسا والمجر.

وكان أخطر نفوذ للرساميل الأجنبية هو ما تمثل في تأسيس البنك العثماني وإمساكه بمفاتيح الاقتصاد العثماني كله، وكانت الحصة الأكبر فيه لعائلة روتشيلد اليهودية التي ظلت لعقود طويلة المحبوب الأول للسلاطين منذ أن أنقذتهم مع حكومة دزرائيلي اليهودي البريطانية من حصار الجيوش المصرية لإسطنبول.

من قلب البنك العثماني ونفوذ آل روتشيلد بدأت المؤامرة العثمانية ضد الأرمن الذين شكلوا مع البرجوازية اليونانية أخطر منافس لليهود على الاقتصاد التركي الآخذ في الرسملة بإدارة القناصل.

إلى ذلك، ومع الخضوع المتزايد للسلطنة العثمانية للقناصل، قامت بتنفيذ رغبتهم حين وافقت على تقسيم مواطني السلطنة على أساس مذهبي وديني وتقسيم الرعاية السياسية لهم بحسب دول القناصل، الكاثوليك والموارنة تحت رعاية فرنسا، والارثوذكس ومنهم غالبية الأرمن واليونان تحت رعاية روسيا، وهكذا..

بهذا المعنى اتخذت البرجوازية اليهودية من رعاية روسيا للأرمن والأرثوذكس ذريعة لتحريض الدولة ضدهم، بل إن رجال روتشيلد ساهموا مع السلطان عبد الحميد في تشكيل صندوق (الميليشيا الكردية) الجهادية التي أوكل لها تنفيذ المذابح في الأرياف الأرمنية، فيما تولى جهاز (ال ما بين بين) مخابرات السلطان اختراع الأكاذيب ضد الأرمن وتنفيذ المذابح ضدهم.

أما المذبحة الكبرى ضد الأرمن، فقد وقعت في نيسان 1915 ونفذتها الموجة الثانية من حكام تركيا الطورانية ممثلة بحزب الاتحاد والترقي أيام السلطان محمد رشاد وكان معظم قادة الحزب من يهود الدونمة الذين تربوا في سالونيك.

وقد تمكن الأرمن من تصفية معظمهم الواحد تلو الآخر ومنهم جمال باشا (السفاح).

إلى ذلك، يعود الأرمن إلى قبائل ظهرت منذ الألف الرابع قبل الميلاد بين البحر الأسود والهضبة الأرمنية في آسيا الصغرى (تركيا الحالية)، وقد سبق الأرمن الإمبراطورية الرومانية في اعتناق المسيحية، وخاصة اليعقوبية إضافة إلى الأرثوذكسية وبعض الفئات الكاثوليكية، وبرز منهم أعلام مشهورون مثل العديد من أبطال الشطرنج العالميين، وميكويان الرئيس الأسبق للاتحاد السوفييتي.

سياسيا، تنتشر في الوسط الأرمني العديد من الأحزاب والتيارات السياسية أبرزها الطاشناق (البوق) والهانشاق والامغارفار الذي يعتبر حزب البرجوازية الأرمنية.

عربيا، تطورت علاقات الأرمن مع العرب ابتداء من الحضارة السومرية كما يقول المؤرخ توينبي، كما لعبوا دورا معروفا في العهد الفاطمي الذي تمتعوا فيه بكامل حرياتهم الدينية والثقافية والتجارية، حيث برز اسم بدر الجمالي الذي تولى الوزارة في الفترة بين 1070 – 1094 ولقب بأمير الجيوش وسيف الإسلام.

في مرحلة المماليك ورغم عقود الاضطهاد الأولى التي ميزت حكم المماليك ضد فئات مذهبية واسعة بينهم الأرمن، إلا أن الأرمن أخذوا يحتلون مكانة هامة في الدولة، وقد ذكر المقريزي أنه كان من بين 10 الاف مملوك 3 الاف وسبعمائة مملوك أرمني وشركسي، وزاد عدد الأرمن في مصر في القرن السابع عشر حيث تمركزوا في خان الخليلي وكوم الأرمن والرشيد والإسكندرية ودمياط، حتى أن قائد البحرية المصرية إبان غزو نابليون لمصر كان أرمنيا، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من العسكر الأرمن في الجيش المصري، كما ازدهر وجود الأرمن خلال حكم محمد علي في مصر في القرن التاسع عشر وأسسوا أول مصرف عام 1838 وبرز منهم بوغوص بك يوسف يوسفيان الذي عمل سكرتيرا خاصا لمحمد علي ثم مديرا لنظام المالية ومسؤولا عن تنظيم البعثات التعليمية إلى أوروبا.

في الأزمنة الحديثة برز منهم أحد أهم رواد القومية العربية في القرن التاسع عشر أيضا وهو أديب اسحاقيان، وكذلك القائد الشيوعي اللبناني المعروف، مادويان.