الثورة الدائمة والفوضى الخلاقة وأخيراً الحرب الدائمة

أكد البيان الشيوعي 1848 على أن سيطرة البرجوازية هي مرحله ضرورية لابد منها لقيام الثورة الشيوعية وسيطرة الطبقة الكادحة على الدولة والمجتمع ولكن المفكر الشيوعي تروتسكي رأي أن من الممكن الانتقال إلى حكم الطبقة العاملة والقيان بالثورة دون المرور في مرحله البرجوازية فلا بد من حرق المراحل وهو ما أسماه بالثورة الدائمة التي تنتقل من بلداً إلى آخر كحريق كبير.

قطعة رأسك نحبه في منفاه المكسيكي صريعاً بضربه فاس ولكن بقي شيء من فكره الذي ذهب باتجاهات عجيبة إذ أنها أصبحت طريق سياسي حتى لألد أعداء الشيوعية والاشتراكية وهو ما ظهر في ستينات القرن الماضي عندما تحول بعض تلامذة الثورة الدائمة إلى المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الذين اخذوا يؤمنون بالتدخل العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصاد في بلدان العالم من أجل إعادة صياغه المجتمع والاقتصاد وهو معتبره ثورتهم الدائمة هذا المفهوم اخذ مؤخرا اسم الفوضى الخلاقة.

في بلادنا وفي صراعنا مع المشروع المعادي أخذ هذا الاتجاه يتطور مع تصاعد اليمين المتطرف في دوله الاحتلال وبما ينسجم مع أداء المحافظين الجدد في واشنطن وهم الموجودين في دوائر الحكم وفي عالم صناعه الفكر وقد اصبح من الممكن اطلاق باسم الحرب الدائمة على هذا التطور الجديد في دوله الاحتلال.

لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن تنحاز الولايات المتحدة ومن خلفها أوروبا بشكل مطلق لدوله الاحتلال وان يتقاطر الرؤساء والوزراء على تل أبيب لإعلان دعمهم السياسي والعسكري وتقديم غطائهم القانوني للحرب العادلة التي تذبح الشعب الفلسطيني ومؤخراً أصبحت واشنطن هي من تقول الحرب وتقدم المبادرات لإنهائها ثم تعود لتنقلب على مبادراتها فهي تدعم تل أبيب لكي تستمر في حرب تملك فيها فوائد قوه ازدادت بعد الكفاء محور المقاومة.، فيما تحاول فرنسا والشريك السعودي الصامت في الحرب اطلاق مبادرات زائفة لا حظ لها من النجاح ولكنها تستهدف بشكل خاص وخبيث المقاومة محاولة أن تحقق بإعلان نيو يورك ما لم يستطيع السلاح حتى الآن تحقيقه.

الحرب الدائمة هي هدف قد اصبح معلن لا عند الحكومة ورئيسها ووزرائها المتطرفين فحسب بل عند المجتمع (الإسرائيلي) الأخذ بالتوجه نحو مزيد من التطرف، فالحرب على الشعب الفلسطيني مستمرة في غزه حتى لو تم العثور على من أسرتهم المقاومة واطلق سراحهم لا بل وحتى لو سلمت المقاومة بالشروط الأمريكية الإسرائيلية، وكذلك دوله الاحتلال مستمرة في حربها في الضفة الغربية قتلاً واعتقالاً وتجويعاً واستيطاناً وتهجيراً، غير مبالية بالسلطة الفلسطينية في رام الله التي وقفت ظاهريا على الحياد في حرب غزه فيما لم توقف التنسيق الامني مع أجهزه الأمن الإسرائيلية ونتنياهو مع كل ذلك مستمر في إضعافها وإحراجها أمام شعبها.

نتنياهو وحكومته يعلنون حربا مفتوحة على سوريا الشام وقد احتلوا أراض جديده ويسعون لاحتلال المزيد عبر طريق داوود التي ستربط فلسطين المحتلة بشرق الفرات حيث يدعمون قيام دوله كرديه هناك، وبالطبع يسعون لإقامه حكم ذاتي طائفي متعاونا معهم على اطراف حوران.

وهو مستمرون في حربهم على لبنان واحتلال جنوبه مع استباحهم لكامل الأرض اللبنانية بالقصف والهدم والاغتيال والمطاردة الساخنة والضغط على الدولة اللبنانية لنزع سلاح المقاومة كما انهم مستمرون في سرقه مياه نهر الليطاني وغيره من مصادر الماء كل ذلك دون ردا لا من لبنان الدولة، ولا من لبنان  المقاومة.

يريد نتنياهو وفريقه الحرب مع اليمن ومع ايران اي انه يريد تركيع المنطقة لا عبر الاستمرار فيما أسموه السلام الإبراهيمي وإنما بالقوة وفوائضها المتوفرة حاليا بين يديه مستنداً إلى مزيج فكري ـ نظري من الفوضى الخلاقة والثورة الدائمة وأفكار الحاخامات وما ورد في التوراة من حكايا دموية.

يرى نتنياهو الحرب لا على غزه فقط وإنما حرب مفتوحه على الأمه والإقليم وهي كما يقول حرب الاستقلال الثانية التي يريد أن يصحح بها أخطاء حرب الاستقلال الأولى التي أبقت بعض الفلسطينيين داخل الدول’ اليهودي’ ولم تحتل كامل المنطقة غرب نهر الأردن وهو يرى ضرورة التوسع في كامل أرضنا القومية وفي جوارنا الإقليمي غير مدرك أن للقوة محدودية بالغة ما بلغت من امتلاكها للسلاح وأدوات التوسع والقتل.

إنها حالة من التراجع ولكن لا بد لها من أن تأخذ مداها، ثم يأخذ قوها بالانحدار الذي يتطلب جاهزية من اللامة وقواها الحية.

سعادة مصطفى أرشيد ـ جنين ـ فلسطين المحتلة