هل باتت التسوية السياسية في اليمن متاحة بعد الاتفاق الايراني السعودي برعاية صينية؟

بعد إطلاق ولي العهد السعودي مشروعه “التنموي” 2030″ “ومشروع نيوم” لتنويع مصادر دخل المملكة خارج عائدات النفط، مما يحتم حاجة المملكة السعودية لضمان توفر الأمن والاستقرار فيها بعيدًا عن التهديدات العسكرية، لتنأى بنفسها وتتفرغ لخطط التنمية الاقتصادية، وما يسمى “رؤية 2030 والتي تتضمن بناء اقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط، وذلك من خلال جذب الشركات الدولية الى المملكة وتنويع الاستثمارات، وتوفير المزيد من فرص العمل. وهذا يتطلب بالضرورة تسوية النزاعات التي تورطت بها السعودية لإحلال السلام والأمن والاستقرار في المملكة.

وبعد أن هدّد الصراع المحتدم بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي تغذيه الولايات المتحدة الاميركية لتنفيذ مشروعها الصهيو-اميركي  في منطقتنا “الشرق الاوسط الجديد، الاستقرار الأمني الهش خاصة في منطقة الخليج ،بعد ان استنزفت حرب اليمن مدخرات المملكة السعودية اذ بلغت تكلفتها بحدود 700 مليار دولار.

وبعد غيرت المملكة استراتيجيتها باعتماد استراتيجية الحوار كطريق لتسوية النزاعات، تجسدت بسياسة التهدئة الإقليمية (مع إيران وتركيا وباكستان) بعد قمة العُلا للمصالحة الخليجية (5/1/2021)، وزيادة تأثير البعد الاقتصادي في السياسة الخارجية السعودية؛ إذ ترتكز “دبلوماسية نيوم” على توجهات سياسية/ اقتصادية/ سياحية/ ترفيهية، قائمة على مشروع ولي العهد، محمد بن سلمان، “رؤية 2030″؛ إذ تلعب مدينة “نيوم” دورها كأداة للقوة الناعمة، بما يعيد رسم الصورة الخارجية والاستثمارية للسعودية، فضلًا عن استقطاب المستثمرين والشركاء الدبلوماسيين والاقتصاديين، سواء من أميركا وإسرائيل ودول أوروبية، أم من روسيا، والصين وتركيا وباكستان.

 وبعد بروز حالة الجفاء السياسي وعدم ثقة السعودية بالولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس بايدن، وبعد ظهور محدودية فاعلية الضمانات الأمنية التي ادعت الولايات المتحدة الامريكية توفيرها لحلفائها الخليجيين حين شنّ الحوثيون هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على منشآت ارامكو النفطية ومواقع استراتيجية أخرى في السعودية في العام 2019،  فضلًا عن شنّهم هجمات على الإمارات العربية المتحدة، مما دفع المملكة العربية السعودية للتفتيش عن قوة تضمن لها تسوية تنهي نزيف حرب اليمن المفتوحة مع حفظ ماء وجهها ودورها في المنطقة،

لذلك طلبت من الرئيس الصيني شي جيبنغ أثناء زيارته الاخيرة الى المملكة التوسط ورعاية الحوار التي كانت قد بدأته مع ايران في العراق ومسقط، بمتابعة روسية صينية، بعد موافقتها على هدنة امتدت نحو عام، وعلى فتح ميناء الحديدة ومطار عدن والسعي لإنجاز تسوية سياسية مديدة ترضي جميع الاطراف بعد الاعتراف بحكومة صنعاء وشرعيتها ودمج جميع الاطراف في التسوية. استضافت الصين في 6 اذار أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ومستشار الأمن الوطني السعودي الوزير مساعد بن محمد العيبان وعقدت اجتماعات ماراتونية حتى 10 اذار حيت نجحت الصين في إعادة جسر العلاقة بين البلدين وإبرام توقيع اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في بكين، حيث صدر بيان ثلاثي وقعه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ومستشار الأمن الوطني السعودي الوزير مساعد بن محمد العيبان، وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي ورئيس اللجنة المركزية للخارجية الصينية وانغ يي، اتفقت بموجبه الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات والقنصليات في غضون شهريْن مقبليْن، وسيجتمع وزيرا خارجية البلدين لتنفيذ هذا القرار واتخاذ الترتيبات اللازمة لتبادل السفراء.

لا ريب ان الاتفاق الإيراني-السعودي قد شكّل تحولاً دراماتيكيًّا ليس فقط على مستوى المنطقة فحسب، بل على الصعيد الدولي، خاصة وأنه قد ارتبط بمشروع ووساطة الصين، بكل ما يحمله هذا الأمر من دلالات للبيت الأبيض تحديداً، الذي ينظر إلى بكين على أنها “العدو الأول”.

 وكان ملفتًا التطورات السريعة التي تلت هذا الاتفاق  وهي:

– دعوة الملك السعودي الرئيس الإيراني لزيارة السعودية وترحيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بقبول دعوة الملك سلمان لزيارة السعوديّة.

– أجرى وزيرا الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان محادثات هاتفيّة هي الثانية بينهما بعد توقيع الاتفاق، وأفادت الأنباء الرسمية القادمة من الرياض وطهران، أن الوزيرين ناقشا عددًا من الموضوعات المشتركة في ضوء الاتّفاق الذي وُقّع في الصين. واتّفقا على “عقد لقاء ثنائي بينهما بين 12 -22 من شهر رمضان الحالي”، وفق الأنباء الرسمية .

-تقديم المملكة العربية السعودية طلب الانضمام الى تحالف دول البريكس.

-الاتصال الذي أجراه محمد بن سلمان أواخر الأسبوع الماضي بالرئيس الصيني وطلبه الانضمام الى منظمة شنقهاي للامن والتعاون.

-توقيع  شركة أرامكو اتفاقية استحواذ على حصة 10% من شركة روتغستغ الصينية للبتروكيميائيات المحدودة بقيمة 3.6 مليار دولار.

– إعلان رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى اليمنيين، عبد القادر المرتضى، أن صفقة الأسرى التي تم الاتفاق عليها مؤخرًا في جنيف ستتم يومي الـ19 والـ20 من رمضان الجاري. وأوضح أن الصفقة التي “تضم 706 من أسرى الجيش و181 من الطرف الآخر سينفذها الصليب الأحمر على ثلاث مراحل يتم فيها نقل الأسرى أولًا ما بين صنعاء وعدن، وثانيًا ما بين صنعاء والرياض، وثالثًا ما بين صنعاء ومأرب“.

مما يشير الى اعتبار الاتفاق  مؤشر لإعادة تموضع استراتيجي جديد، بالنسبة للعاصمتين طهران والرياض، “رغم انه لا يظهر منه حتى الان الا كونه إعادة علاقات دبلوماسية بين دولتين تتمتعان بتأثير إقليمي ودولي واسع”، مما سينعكس، في الحقيقة، على عدد من الدول كلبنان وسوريا والعراق…

بعد إعلان الاتفاق، عادت الأنظار لتتوجه مجددًا إلى ملف اليمن، أكثر الملفات تأثرًا بهذا الاتفاق، لانخراط كلا من الرياض وطهران بشكل مباشر وغير مباشر في الصراع في اليمن، ما يعني امتلاكهما العديد من الأوراق التي يمكنها الدفع بعملية التسوية السياسية، خصوصًا وأن ملف الحرب في اليمن يعد أعقد الملفات الشائكة بين البلدين، طوال فترة القطيعة الدبلوماسية بينهما. وكاستقراء لنتائج التقارب المُستَجِد، بعد القطيعة التي بدأت عام 2016، إذ يحكى أنّ ثمة بنود سرية لم يعلن عنها بالاتفاق حرصا على حسن تطبيقه، وأن السعودية وايران سوف ترعيان وتتابعان بصورة مباشرة وضع تصورات للقضية اليمنية انطلاقًا من الأفكار السابقة التي طرحت من قبل الأطراف المهتمة بذلك، بما فيها طرفي الصراع المباشرين، وبأوليتها تحويل الهدنة الراهنة في اليمن إلى حل سلمي دائم، والاتفاق على تحقيق المطالب العادلة والمحقة للشعب اليمني وفي مقدمتها القضايا الإنسانية ورفع الحصار وإعادة الاعمار التي هي المدخل المنطقي والوحيد لإعادة تطبيع العلاقات الأخوية بين اليمن والسعودية وعلى أساس الندية والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير المرحلة الانتقالية التي سيتم الاتفاق عليها مع وضع تصورات لمختلف القضايا لمعالجتها وأهمها المسألة الاقتصادية وقضية السلاح، في إشارة إلى السلاح الذي لدى الحوثيين.

يجمع المحللون على أنّ السعودية لم تكن لتوافق على هذا الاتفاق دون موافقة طهران على تقديم تنازلات بشأن دورها في اليمن، الأمر الذي يجعل هذا الاتفاق بينهما يعد من أهم مفاتيح الحل الهامة التي يمكن استخدمها لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن.

يؤكد ذلك البيان الذي أصدرته ممثلية طهران لدى الأمم المتحدة، بقولها “إن استئناف العلاقات السياسية مع السعودية، سيسرع من التوصل لإنهاء الحرب في اليمن، وانطلاق الحوار الشعبي في هذا البلد، وقيام حكومة وطنية شاملة أيضًا”.

ومثله جاءت ردة موقف جماعة الحوثي المرحب بهذا الاتفاق، عبر تغريده الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام في تويتر بقوله إن المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها.

بينما رحبت الحكومة اليمنية بالاتفاق الإيراني السعودي، واستدركت في بيان للخارجية بأنها “مستمرة بالتعامل الحذر مع طهران، حتى نلمس تغييرًا حقيقيًا في سلوكها”.

يبدو ان الجانبين السعودي والايراني يرغبان في ان يحققا قدرًا كبيرًا من التفاهم في المرحلة المقبلة، بشأن دعم إنهاء الحرب في اليمن والتوصل الى تسوية سياسية توافقية مرضية بين الأطراف المتصارعة، وبدعم من قبلهما، بالإضافة الى دعم الأمم المتحدة.

حيث ان جماعة الحوثي التي طالما كانت برفضها الشديد تشكل عقبة كبيرة أمام إنجاح المفاوضات السابقةـ فإنها اليوم مستعدة للتفاوض والتنازل أكثر من أي وقت مضى لأنها تعتبر الاتفاق اعتراف بشرعيتها وانتصارها.

الأمر الذي يعزز من احتمال نجاح عملية الانتقال الى وقف دائم لإطلاق النار في اليمن، وتحقيق تسوية سياسية شاملة في البلاد، وهي الخطوة التي بدأت بالفعل عقب التوقيع على الاتفاق بين الرياض وطهران.  

أعتقد أن الاتفاق سيوفر إطارًا إقليميًا لتسوية سياسية مديدة في اليمن، وسيزيد من مستوى الزخم الدولي من أجل إنجازها، خاصة ان المملكة الآن تعمل بتوجه وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل الذي أصدر تصريحًا نافذ البصيرة حين قال ممازحًا في إحدى المرات إن السعودية لم تعقد زواجًا كاثوليكيًا مع الولايات المتحدة، بل زواجًا إسلاميًا يسمح بتعدّد الزوجات. فالمملكة لا تريد الطلاق من واشنطن، بل ترغب فحسب في إقامة علاقات مع دول أخرى. وتجلّى هذا التصريح لسعود الفيصل بأبهى صوره في الوساطة الناجحة لتي أدّتها الصين مؤخرًا وتكلّلت بإبرام اتفاق مصالحة بين إيران والسعودية.

عضو المجلس الاعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين رياض عيد
4-4-2023