يوم الأرض، فلسطين وكل أرض

يوم الأرض، فلسطين وكل أرض

تصادف هذه الأيام ذكرى يوم الأرض في فلسطين المحتلة، الذي بدأ في نهاية آذار من عام 1976 في مناطق الجليل الأعلى في فلسطين العربية المحتلة عام 1948 وذلك رداً على الحاكم الصهيوني، كينغ الذي اقترح على إسحق رابين رزمة من السياسات تجبر الفلسطينيين على الرحيل من الجليل.

في هذا اليوم، وبالإضافة للاحتلال اليهودي للأرض العربية في فلسطين، فإن الأرض العربية تنتهك في كل مكان سواءً من قبل الغزاة الأجانب أو من قبل سماسرة الأراضي والشركات وتحول من قيمة وطنية إلى قيمة عقارية برسم البيع والشراء ناهيك عن النهب المنظم لأراضي الدولة من المحيط إلى الخليج.

ما يستحق الانتباه عند الحديث عن يوم الأرض فيما يخص فلسطين تحديدا ثمة ما يستدعي قراءة نظرية لمفهوم الأرض والصحراء في العقل الصهيوني، فالأرض غير الجغرافيا، والشعب غير السكّان، بدلالة الفرق بين الحالة الطبيعية والحالة الحضارية. وبحسب هذا التشخيص، فإن تحول الجغرافيا إلى أرض، والسكّان إلى شعب، جرى في إطار الدّولة الحديثة للثورة الصناعية البرجوازية.

وقد سعى الخطاب الكولونيالي الاستعماري، ومنه الصهيوني، إلى فصل الفلسطينيين عن أمّتهم، وحصر تطور الأمة ذاتها، ومنعها من ترجمة هُويتها في إطار دولة قومية، وتحطيم كلّ محاولاتها من أجل ذلك، ومن ثم حصر الفلسطيني في نطاق الحالة الطبيعية (سكان وجغرافيا)، تحضيراً لتصوير اليهود كشعب وأرض في حالة حضارية مقابل الحالة البدوية المزعومة للفلسطينيين، التي أريد لها أن تظل حالة متنقلة خارج فلسطين، بل وأن يعاد إنتاجها كحالة صحراوية لا تملك شروط التحوّل إلى حالة حضارية (شعب – أرض).

انطلاقاً مما سبق، ظلَّ العدوّ الصهيونيّ يلاحق الفلسطينيين، ويُنفّذ المجزرة تلو المجزرة بحقّهم، ويجعلهم في حالة تنقّل دائم، من مجازر فلسطين 1948، إلى مجازر لبنان على يد القوى الانعزالية، وخصوصاً تل الزعتر والكرنتينا وصبرا وشاتيلا، إلى الظروف غير الإنسانيَّة لهذه المخيمات، إلى دور عملاء الموساد والأميركيين والمخابرات التركية في تهجير أهالي مخيم اليرموك وغيره من المخيمات في سوريا. ويُشار هنا فيما يخصّ مخيّمات لبنان وتهجير سكانها إلى أنَّ الأمر عاد إلى النقاش مجدداً، في ضوء تفضيل اللاجئين السوريين عليهم كورقة ضغط ديموغرافية مذهبية بديلة.

إلى ذلك أيضا، ومن ذاكرة الأرض عن الشعوب ضد المستعمرين، نستعيد ما جاء في كتاب كامبل (قوة الأسطورة) على لسان تشيف سيتل أحد زعماء الهنود الحمر وذلك في رسالة بعثها إلى الرئيس الأمريكي أواسط القرن التاسع عشر.

“نحن نعرف النسغ الذي يجري في عروق الأشجار، تماماً كما نعرف الدم الذي يسري في شراييننا، نحن جزء من الأرض وهي جزء منا، الأزهار التي يتضوع منها العطر هي أخواتنا، الدب، الغزال، النسر العظيم أولئك هم أخوتنا، عصارة المروج، حرارة جسم الفرس ونبض الإنسان كلها تعود إلى العائلة ذاتها.

المياه المتلألئة التي تسيل في الجداول والأنهار ليست في الحقيقة مياهاً، إنها دماء أسلافنا، إذا ما بعنا لك يوماً أرضنا عليك أن تتذكر الأحداث والذكريات التي اغتنت بها حياة شعبنا، وشوشات المياه إنما هي أصوات آباء آبائنا.

والأنهار ليست سوى إخوة لنا، إنها تروي عطشنا، تدفع بزوارقنا قدماً وتطعم أطفالنا. وعلى هذا فعليك أن تكون لطيفاً إزاء الأنهار كما لو كنت أمام إخوة لك.

كل ما نعرفه أن الإنسان لا يملك الأرض، العكس هو الصحيح الأرض تملك الإنسان، كل الأشياء مرتبطة بعضها بالبعض الآخر مثلها مثل الدم الذي يوحدنا ونحن نعرف شيئاً واحداً هو أن إلهنا هو إلهكم، والأرض غالية عليه، وأن تؤذي الأرض معناه أن نكدس احتقاراً لخالقها.

قدركم غامض بالنسبة إلينا، ماذا يجري لو أن الجاموس قد زال عن وجه البسيطة؟ لقد دجن الحصان البري. أي وبال سيأتي عندما تصبح الزوايا السرية للغاية مثقلة بآثار العديد من الناس، بل قل كيف سوف يصبح منظر التلال والقحط يكتسحها يوماً بعد يوم بواسطة الأسلاك التي تنطق بأحاديثكم؟ ماذا سيحل بالأدغال؟ الزوال. ماذا سيكون مصير الصقر؟ الزوال.  أي هول سوف يحل عندما تقول للفرس الحلوة وللصيد، وداعاً؟ إنها نهاية الحياة وبداية الزوال.”

د. موفق محادين