بمناسبة تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أجرت الدكتورة صفية أنطون سعاده لقاء فكريا مع القوميين الاجتماعيين في نيويورك ، عبر الزووم ،تحدثت فيه عن باقة من المفاهيم عند أنطون سعاده هي ما يلي:
مفهوم انطون سعاده القومي/الوطني المغاير للمفهوم القومي الغربي
انطون سعاده هو المفكر العربي الوحيد الذي أسس حزبا اصيلاً واصلياً. أسسه بناء على تاريخ وحضارة وأوضاع سوريا الطبيعية (سوراقيا)، دون الاستناد على نظريات من خارج سياق هذا التاريخ.
لم يعتمد سعادة على ايديولوجيات غربية كالاشتراكية والشيوعية، او الفاشية والنازية كما فعل غيره لبناء حزبه، بل قدّم مفهوما مبتكرا ومغايرا للمفهوم الغربي فيما يختص بالدولة-الامة، والدولة القومية، ذلك ان مرتكزات عقيدته تنبع من تاريخ وحضارة هذه المنطقة، لا من التاريخ الغربي.
أسس الدولة الامة في الحضارة الغربية.
بُنيت الدولة- الامة في الغرب حول علاقات الدم واواصر القرابة، فاستقل الجرمان، وكذلك الفرنك، والساكسونيون، وغيرهم في دول مستقلة بعضها عن البعض الآخر. أي ان بدايات هذه القوميات كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلاقات القربى، ولم تكن تعتبر اي شخص من غير عنصرها يستطيع ان ينتمي اليها. وبعبارة أخرى، بُنيت هذه القوميات على المبدأ العنصري. بينما نجد ان تاريخنا وحضارتنا مغايرين تماما ومعاكسين للتجربة الغربية.
فمنذ بداية تأريخ الحضارة عندنا، أي نشوء الحضارة السومرية في بلاد الرافدين، نجد مبدأ الاختلاط والقبول بالآخر المختلف، هو المبدأ السائد. يبدو ذلك واضحا في ملحمة قلقامش (The Epic of Gilgamesh) حيث نجد ان بنات الملك يلعبن دور المحتفى بالغريب القادم الى المدينة السومرية، فيستقبلنه ويتم الاهتمام به وتعريفه على عادات اهل المنطقة، بينما كان يُنظر الى الغريب في الحضارة الغربية كعدو يجب قتله أو نفيه! والامثلة كثيرة، ومنها حالة الاندلس حيث تم رفض العنصر العربي نهائيا وقضي عليه من قبل اسبانيا البيضاء والكاثوليكية، في القرون الوسطى.
بُني تاريخنا على اسس مغايرة تماما للتجربة الغربية، والبرهان هو لوحة الفسيفساء الرائعة في منطقة الهلال الخصيب التي تعج بالاديان والملل والمذاهب والاعراق التي لم تتم ابادتها حين كانت الفرصة سانحة، بل تم احتواؤها ودمجها ضمن المجتمع الاصلي.
هذا هو مفهوم الدولة-الامة عند سعاده. الانتماء والمرجع هو الارض المشتركة، الارض التي تعبّر عن حضارتنا، وعن تفاعلنا معها.
مفهوم سعاده يساوي بين جميع ساكني ارض معينة بمعزل عن دينهم أو مذهبهم، أو عرقهم أو جندرهم. هم متساوون امام القانون، لا فرق بينهم لأن مصيرهم واحد، ولا أفضلية لعرق أو دين أو مذهب على آخر. هويتنا تنبع من الارض التي تجمعنا، من مكان اقامتنا، ونفقد هذه الهوية حين نهاجر نهائيا إلى بلد آخر ونستوطن هناك، ولا يعود عندنا جذور في وطننا الاصيل بعد مرور ثلاثة اجيال.
– الحزب السوري القومي الاجتماعي «وسيلة » لا «غاية» بحد ذاته.
الحزب في نظر سعادة هو اداة مؤسساتية ضرورية لتحقيق مبادئه. الحزب ليس غاية، ولا يمكن ان يكون غاية، لأن الغاية حسب دستور سعادة «اقامة نهضة في سورية الطبيعية».
من المؤسف ان يصبح الحزب غاية بحد ذاته، فيتقوقع وينكمش ويبتعد عنالناس، فلا يحاورهم، ولا يدعوهم، ولا يشاركهم الآراء والأحاديث والنقاشات.
لا ازال أذكر حين كنت طفلة صغيرة في بيروت عام ١٩٤٧، كيف كان والدي،ونحن معه، نشترك في رحلات عائلية لحزبيين وغير حزبيين، فنزور المناطق اللبنانية، ويتناقش الجميع خلال الرحلة، وعلى الغذاء، ويعم الحبور والارتياح لمعرفتهم ان هذا الحزب يهتم بأهل بلده وأمته، وان هذا حزب همه نهضتهم وتقدمهم، وتطورهم وسعادتهم وسعادة اولادهم وبناتهم، وان هذا حزب طليعي يرفض التخندق ضمن الحدود الطائفية، أو العرقية، فالارمني والشركسي والكردي كلهم سوريون طالما هم يعيشون على هذه الارض، وهم متساوون، لا فرق بينهم وبين من هو من اصول عربية. كذلك انخرطت النساء في هذه الرحلات، فنظمن وشاركن في النقاشات، ولا أنسي منظر السيدة معزز روضة هذه الرسامة الرائعة والتي كانت من محبذي فكر سعاده، وهي تنتقل بكاميرتها من مكان الى آخر، تأخذ الصور وتحفظها في ارشيفها.
كانت النهضة تعني التفاعل مع المجتمع وعدم الانزواء، كانت النهضة تعني الفرح بالانطلاق نحو آفاق جديدة، وكسر الحواجز التقليدية بين الطوائف والاعراق، وبين الرجل والمرأة، فنراها الى جانبه في كل شأن عام.
كانت النهضة تعني الاشتراك في الحياة مع الآخر في كل اشكالها ومظاهرها، فننتقل جميعا من وضع قائم الى وضع أفضل وأجمل،
فهل هذه هي حالتنا اليوم؟
-لا «اقليات» و«اكثرية» في منظومة سعادة القومية/الوطنية
الانتماء للأرض، وهويتنا كشعب يحيا على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ومساواتنا أمام القانون بمعزل عن ديننا أو عرقنا أو جندرنا هو الضمانة لعدم وجود «اقليات» أو «أكثرية» في منظومة سعادة.
وجود «اكثرية» و«اقلية» ثابتة في مجتمع ما يعني ان المفهوم القومي في ذلك المجتمع يرتكز على نظام دولة عنصري اثني، أو ديني مسيطر، أي انها قومية تتمحور حول اثنية معينة، كالعرق الابيض مثلا، أو دينا /مذهبا معينا، كالمسيحية أو الاسلام أو اليهودية.
حين تصبح هوية الانسان مرتبطة، ليس بالأرض، بل بالهوية الشخصية من دينية أو اثنية، حينئذ تبرز مشكلة الاقليات التي ستدمر المجتمع لأنها تقسمه الى جزئين: جزء مسيطِر، وجزء آخر مسيطَر عليه!
من هنا، طالب سعادة بإزالة الفوارق الدينية، والتعصب الديني الاعمى، ووجّه نداء إلى القوميين، حين نشبت الفتنة الدينية بين «النجادة» و«الكتائب» عام ١٩٣٦، اذ ناشدهم النزول إلى الشارع، والفصل بين الفريقين «لأن تحويل الوطن إلى ميدان ينقسم فيه الشعب الواحد الموحّد المصير إلى جيشين يتطاحنان للوصول إلى غاية واحدة هي الخراب القومي، عمل شائن لا يليق الا بالشعوب البربرية«.
(انطون سعادة، الاعمال الكاملة، الجزء الثاني: ٥٤-٥٥) بمناسبة تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

