كثيرًا ما يُتداول على منصات التواصل الاجتماعي الحديث عن اضطراب الشخصيّة النّرجسيّة. وصل الحديث عنه درجة وضع الشريك في خانة النرجسي حين يتعامل مع شريكته بأي سلوك لا يتوافق مع رغبتها أو توقعاتها عنه. فقد وصل تعميم اضطراب الشخصية النرجسية على معظم الشركاء في العلاقات، الذين قد يمارسون سلوكيات سلبية أو مؤذية نفسيًّا لشريكاتهم، حيث يكون ذلك نتيجة أسباب لها علاقة بالطباع والخصال والموروثات الاجتماعية وأزمات نفسية بسبب ظروف تنشئة أو طفولة معيّنة. أما اضطراب الشخصيّة النرجسيّة (narcisstic personality disorder) فهو أحد اضطرابات الشخصيّة النّفسيّة المتعدّدة والأكثر شيوعًا بين الرجال، حيث يعاني فيها الشخص من إحساس متضخّم بأهميّته (تضخّم الأنا)، وحاجة عميقة لكسب الانتباه والاهتمام والإعجاب، إضافة إلى افتقاده لأيّ تعاطف أو اهتمام بمشاعر الآخرين. لكن خلف هذا القناع هناك تقدير ذات متدنٍّ وهش قد يتحطّم أمام أي انتقاد. بالرغم من اختلاف حدّتها بين شخص وآخر، تأني أعراض اضطراب الشخصيّة النرجسيّة على الشكل التالي:
- شعور مبالغ بأهميّة الذات والغرور ومبالغة في الحديث عن الانجازات حتى لو كانت لا تستدعي ذلك.
- شعور بالتفوّق ممّا يدفع النرجسي لتجنّب التّواصل إلّا مع الأشخاص المتفوّقين والمهمّين بنظره. هذا بالإضافة إلى الانشغال بأوهام النجاح والقوّة الّتي تدعم وجهة نظره العظيمة عن ذواتهم. فالنرجسي يعيش في عالم خيالي مدعّم بالتشويه وخداع الذات والتفكير الخاطئ، فيما تحميه الأوهام من مشاعر الفراغ الداخلي أو الشعور بالعار والنقص. وقد يقابل النرجسي أي محاولة لمعارضة هذه الأوهام بموقف دفاعي شديد.
- يتغذى الشخص المصاب باضطراب الشخصيّة النرجسيّة عبر التقليل من شأن المحيطين به أو عبر التنمّر عليهم أو الاستخفاف بهم، وفي المقابل يشعر بالتهديد في حال واجه شخصًا يمتلك ميزات يفتقر هو إليها، فتكون آلية دفاعه الأساسيّة هي التّعامل السلبي وإهانة الآخر. كذلك يشعر بهذا التهديد في حال تعرّضه للانتقاد أو عدم حصوله على معاملة خاصّة. النرجسي شخص استغلالي للآخرين وينظر للأشخاص المحيطين به على أنّهم وسائل لخدمة احتياجاته وتحقيق أهدافه دون أي قدرة أو محاولة لفهم مشاعر هؤلاء أو مراعاتهم. وذلك إضافة إلى احساسه بشعور غيرة دائم من الآخرين والاعتقاد (التوهّم) بأنّهم يغارون منه أيضًا.
- على الصعيد المشاعري، فالشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية يعاني من مشاعر خفيّة بعدم الأمان والضعف دون التعبير عنها صراحة بالإضافة إلى تقلّب مزاجي وإحباط مستمرّ وعدوانية ومشاكل في التعامل مع التوتّر والتأقلم مع المتغيّرات، كذلك يشعر النرجسي بالإهمال بسهولة.
أمّا في العلاقات العاطفيّة فالرجل النرجسي (النرجسية غير محصورة بالرجال ولكنّ مواقع التواصل تعجّ بشكاوى الفتيات عن شركائهم) لا يرضيه البقاء مع شخص واحد ومن النادر أن يستمر في علاقة عاطفيّة لفترة طويلة، فهو دائم المطاردة لشخص جديد لينال إعجابه. فالدافع لدخوله أي علاقة عاطفية هو ملء الفراغ الذي بداخله وأن يكون الشريك متاحًا لتلبية احتياجاته ورغباته. فالشخص النرجسي بارع في التلاعب بالمشاعر خاصّة في بداية علاقاته العاطفيّة، حيث تبدأ بمرحلة “تمثيل” المثالية والتقييم الزائد لشريكته والاهتمام بالتفاصيل ووضع أحلام وأمال مستقبلية ثمّ هبوط مفاجئ حين يتأكّد النرجسي من حبّها له والوقوع في مرحلة خفض القيمة والتقليل من شأنها وصولًا إلى مرحلة التجاهل حيث تمرّ الأيام والأسابيع دون رؤيتها، فهو يصبح أكثر مزاجية ويلقي باللوم عليها، ثمّ ينسحب لإيجاد حدود فاصلة بينه وبينها وذلك لأنّ الفراغ في داخله قد ظهر مجدّدًا وشريكته الحالية لم تعد تحمل بريقها السابق لملء هذا الفراغ. هذه الدوّامة عادة ما تسبب شعورًا بالذنب من قبل الشريكة نتيجة الارتباك والحيرة والتساؤل عن ماهية الخطأ الجسيم الذي ارتكبته وأدّى إلى هذا التّغيّر والتّحوّل المفاجئ، بالإضافة إلى خيبة الأمل وشعور الإحباط نتيجة فشل محاولتها في تغيير صاحب الشخصية النرجسية. هذا وقد يصل تأثير تلك العلاقة إلى الشعور بالاكتئاب وتدنٍّ بالثقة بالنفس وصولًا إلى أفكار انتحاريّة أحيانًا. بالنسبة لأسباب هذا الاضطراب، فهي تترواح بين عوامل وراثية وجينيّة وبين عوامل علائقية أسرية. فمن مسبّبات هذا الاضطراب إمّا الدلال الزائد وإمّا الإساءة والتعنيف من قبل الأهل، بالإضافة إلى صدمات الطفولة (متل الاعتداء الجسدي والجنسي واللفظي). كلّ ما تقدّم يوصل إلى السؤال التالي: كيف أتعامل مع أصحاب اضطراب الشخصيّة النّرجسيّة؟ عادةً ومع وجود أعراض حادّة يُنصح بالابتعاد عنهم وذلك تجنّبًا للأذى النفسي وأحيانًا الجسدي. أمّا في حال عدم إمكانية تركهم لأسباب عديدة منها العائلة أو الأولاد أو الظروف الماديّة وغيرها، يمكن اتباع النصائح التالية في التعامل معهم:
- رؤية الشخص على حقيقته وعدم التماس الأعذار لسلوكه السيئ، والثقة بأنّ رغبات وحاجات الشريك لا تهمّه، فهو غير قادر على التعامل باحترام واهتمام متبادلين.
- الدفاع عن النفس بأسلوب هادئ منطقي والتعبير عن الطريقة التي يُتوقّع منه أن يتعامل بها دون إظهار مشاعر الإرباك والحزن والقلق لأنّ ذلك سيشجّعه على الاستمرار بتسبيبها للشريك. ويفضّل عدم الدخول في شجار معهم في حال أمكن ذلك لأنّه لن يوصل لنتيجة، فهم دائمًا على حق بنظرهم أو ضحيّة ويمارسون الإسقاطات على الشريك.
- عدم صب التركيز والاهتمام عليهم والتركيز على احتياجات الشريك (الضحية) الخاصة، والتوضيح ان ديه رغبات ونقاط قوة وأهداف خاصة وليس من مسؤوليته إرضاء النرجسي أو إصلاح حاله.
- فرض الحدود مع النرجسي الذي يصبّ التركيز على ذاته، حيث يتمادى في خرق خصوصية شريكه لدرجة التحدث عنه أمام الناس، فيما تكون ردّة فعله سيّئة للغاية في حال تمت مواجهته بما أقدم عليه حيث يحاول إشعار شريكه بتأنيب الضمير وبأنّه الطرف السيّئ في العلاقة.
- تمضية وقت مع الأصدقاء أو أفراد العائلة الذين سيشكلون حصنًا داعمًا (support system) في مواجهة علاقة مع نرجسي تستنفذ طاقة الشريك.
- عدم تصديق الوعود التي يقطعها النرجسي أو التعويل عليها، فهو كاذب بامتياز، خاصة إذا وعد بأنه سيصبح شخصًا أفضل، أو بالقيام بما تريده منه، فقطع الوعود هو وسيلة للحصول على ما يريده هو.
قد تكون العلاقة العاطفية التي تجمع اي شريك مع شخص نرجسي هي الأسوأ على الإطلاق، ليكون العلاج النفسي مسارًا صعبًا للعمل على معالجة نرجسيّة البعض انقاذًا للعلاقة، وهو ما قد يفشل في معظم الأحيان، بدءًا من اقناعه بزيارة معالج وصولًا إلى نجاح المعالج نفسه في تغييره!
الأخصّائية والمعالجة نفسيّة ريما كسر