سورية الطبيعية بين فكي الكماشة الاحتلال التركي شمالاً والاحتلال الإسرائيلي جنوبا

تعيش سورية الطبيعية اليوم أخطر لحظة في تاريخها الحديث. فالأرض الممتدة من جبال طوروس شمالاً حتى صحراء النقب جنوباً، ومن المتوسط غرباً حتى الفرات شرقاً، تقبع بين فكي كماشة: احتلال تركي يتسلل من الشمال تحت شعارات «الأمن القومي»، واحتلال إسرائيلي يغرس مخالبه في الجنوب بذريعة «الأمن الاستراتيجي». كلاهما يقوم على أطماع تاريخية ومشاريع اقتلاع، وكلاهما يستفيد من تفكك الداخل العربي وانشغال العالم.

 الاحتلال والأطماع التركية شمالاً

الاحتلال المباشر: منذ 2016، اجتاحت القوات التركية جرابلس والباب وعفرين ورأس العين وتل أبيض، وفرضت واقعاً احتلالياً بديلاً عبر الفصائل الموالية لها.

التغيير الديموغرافي: تهجير مئات آلاف السكان الأصليين، خصوصاً الكرد والمسيحيين، وتوطين عائلات تركمانية وموالية لتركيا مكانهم.

الهيمنة الثقافية: فرض اللغة التركية والمناهج التركية والليرة التركية في المعاملات، وكأن المناطق السورية تحولت إلى «ولايات عثمانية» جديدة.

الهدف الأبعد: إعادة إحياء الميثاق الملّي العثماني الذي يرى شمال سورية جزءاً من «الوطن التركي»، وقطع العمق السوري عن حدوده الطبيعية. 

 ـ الاحتلال والأطماع الإسرائيلية جنوباً

احتلال الأرض: منذ 1948 احتلت «إسرائيل» فلسطين، ثم في 1967 الجولان السوري، ولا تزال تتمسك به متحدية القرارات الدولية.

الاستيطان والاستلاب: مصادرة الأراضي الزراعية، بناء المستوطنات، تهجير السوريين من قراهم، وطمس الهوية العربية عبر قوانين التجنيس والضم.

البعد المائي والطاقوي: السيطرة على منابع المياه (الحاصباني، بانياس، اليرموك) وجعلها أوردة حياة لكيان الاحتلال.

الهدف الأبعد: تثبيت «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، عبر تقطيع أوصال سورية الطبيعية وزرع كيان غريب في قلبها. 

فكي الكماشة  ـ التكامل بين الاحتلالين

قد يبدو أن تركيا و«إسرائيل» في تناقض، لكن الواقع يكشف العكس:

كلتاهما تستغل ضعف الدولة السورية الطبيعية لتوسع نفوذها. كلتاهما تعتمدان على الدعم الغربي والأميركي. كلتاهما توظفا الانقسام الداخلي السوري واللبناني والفلسطيني لتحقيق مكاسب جغرافية وديموغرافية.

النتيجة: شمال مقطوع عن جذره، وجنوب مغتصب، وبينهما قلب منهك تتصارع فيه قوى داخلية وخارجية. 

 كيف نواجه فكي الكماشة؟

1 . وحدة الرؤية: لا يمكن مواجهة تركيا وحدها أو إسرائيل وحدها. المعركة واحدة، من لواء الإسكندرون حتى الجولان وفلسطين. 

2 ـ  بناء قوة ردع شعبية  ـ عسكرية: التجارب أثبتت أن المقاومة الشعبية (كما في لبنان وغزة) قادرة على كسر جبروت الاحتلال، شرط أن تكون جزءاً من مشروع وطني شامل. 

3 ـ مقاومة ثقافية  ـ ديموغرافية: حماية الهوية السورية من محاولات التتريك والتهويد، عبر التعليم والإعلام والمناهج والذاكرة الشعبية. 

 4 . إحياء مشروع سياسي تحرري: بديل عن التبعية للخارج، يقوم على استعادة القرار الوطني واستنهاض الطاقات الاقتصادية والاجتماعية. 

 5 ـ التحالفات الإقليمية: كسر العزلة عبر بناء شبكة تحالفات مع قوى إقليمية معارضة للمشروعين التركي والإسرائيلي، مثل إيران، العراق، وحركات التحرر.

سورية الطبيعية اليوم ليست بين احتلالين فحسب، بل بين مشروعين وجوديين يريدان ابتلاعها شمالاً وجنوباً. إنهما فكي كماشة واحد، يضغطان معاً حتى الاختناق. والمواجهة ليست خياراً ثانوياً، بل مسألة حياة أو موت. فإما أن تنهض الشعوب لمقاومة هذا الطوق الحديدي، أو تتحول بلادنا إلى خرائط جديدة مرسومة في أنقرة وتل أبيب. والجواب لا يكون إلا بالوعي والمقاومة والوحدة، فالتاريخ لا يرحم من يسقط بين فكي الكماشة دون أن يقاوم.