خلطة جسدت كل مكونات الأمة. مسلمون ومسيحيون علمانيون. سنّة وشيعة، موارنة وروم ودروز جمعهم مجلس انتخابي واحد لانتخاب مجلس أعلى.
مجلس قومي «هيئة ناخبة» لا يعرف أعضاؤه ولا واحدا منهم ديانة، أو طائفة، أو مذهب، أو نسب الرفيق الجالس على مقعد بقرية.
مجلس قومي، تركيبة إنسانية واجتماعية وسياسية متجاوزة لواقع الأمة السورية المجزأ والممزق أشلاء دينية، طائفية، مذهبية وعرقية متنافرة.
مجلس قومي، كرس في الحقيقة والواقع مقولة أنطون سعاده الرائدة: «لا تكون الأمة إلا مجتمعا واحدا».
في جلسة الانتخاب تجلى الإخاء القومي بأبهى صوره. صحيح هناك منافسة، وصحيح ان لكل عضو من أعضاء المجلس القومي خياره الانتخابي وهو يفضل هذا الأمين على ذاك ويود فوزه على غيره. لكن الهم والغاية ليسا هنا، الهم والغاية إنجاح الانتخاب قبل أي نجاح، الهم والغاية أن ينجح النظام القومي الاجتماعي المؤسسي والدستوري.
صحيح أن الهيئة الناخبة تهمها النتيجة لكن ما يهمها أكثر وما هو فوق أي اعتبار هو نجاح الانتخاب الديموقراطي الحر.
ليت القاضي الذي أصغى إلى مؤامرة كيدية لئيمة فأصدر قراره بمنع الانتخاب، ليته هو وكتبته يأتون لحضور هذا الانتخاب الراقي الذي يُجرى بناء على قواعد ونصوص دستورية تُنفذ بحذافيرها. وليرى بأم العين كيف يكون «الصوت التفضيلي» الحر والبنّاء وكيف يختلف جذريا عن الصوت في قانون الانتخاب اللبناني الذي يكرس الشرذمة والانعزال وانقسام أبناء الشعب الواحد.
حوالي اربعمئة شخص اجتمعوا البارحة في مجلس قومي، بدورة ثانية تجاوز نصابها الأغلبية المطلقة وقاربت الثلثين، مما يدل على حيوية ودينامية حزب فتي وكأنه تأسس حديثا.
لا وجيه بينهم، ولا صاحب نفوذ، لا سيطرة ولا مونة ولا حظوة. لا «مفاتيح» ولا «تطبيقات» إنتخابية على الطريقة اللبنانية ولا تابع أو متبوع…. الدعاية الانتخابية وهي حق للمرشح نادرة، وإذا حصلت فبهدوء وخفر وحياء..
بالمقارنة مع انتخابات «عربية» تظن نفسك في انتخاب يُجرى في جمهورية أفلاطون. في حضرة «ناس» خارج الزمن العربي الرديء. المراقب لعلاقات الهيئة الناخبة بحواراتها ومداولاتها وتفاعلاتها يمكنه إصدار حكمه بأنه في «حضرة» مجلس مكوّن من جماعة حضارية متمدنة. لا يظن نفسه في جلسة انتخاب لحزب «عربي» بل في جلسة من جلسات البرلمان السويدي أو السويسري.
قوميون احرار توافدوا من كل حدب وصوب، من كافة أرجاء الأمة ومن بلدان الاغتراب البعيدة ليمارسوا حقهم بإرادتهم الحرة في اختيار قيادة حزبهم.
بانتخابات البارحة قدم القوميون الاجتماعيون نموذجا اجتماعيا وسياسيا متقدما ومتجاوزا واقع الأمة الاجتماعي الممزق. وقبل أي انتخاب قدموا نمطا جديدا من المخالطة والإخاء القومي والألفة المجتمعية. نمطا للتقليد والاحتذاء من قبل الأمة قاطبة.

