هل الضعفُ قَدَر؟
وهل القتلُ والموتُ المبكرُ المُفتعلُ باتا سُنّةً من سُننِ الحياة في بلادنا؟
لماذا هذا السيلُ العارمُ من الدم؟
ولماذا هذا الطوفانُ من الاستقالات الوجودية؟
نراها منشورةً في عيون أبناء الشعب، منطوقةً على ألسنتهم كلّما عبّروا عن موقفٍ أو رأي.
هل بات شعبُنا مجرّد حكايةٍ أسطورية في متن روايةٍ ملحمية مجهولةِ الكاتب؟
لقد بالغ هذا الشعب في عبادة الفرد لذاته، ومجّد النرجسية حتى تلاشت من وجدانه كلُّ روحٍ جماعية، ونبذت نفسيته كلَّ قيمة.
ثم أهان القوانين، وازدرى الدولة، واحتقر مؤسساتها، كأنه قاد انقلابًا شاملًا على نُظم الحق والخير والجمال، وعلى بُنى المجتمع والدولة معًا.
شعبٌ تائه في دهاليز الطرق المؤدية إلى المجهول،
وكل فردٍ فيه يظن أن طريقه الخاص هو الخلاص الوحيد إلى الحياة الحقّة… وما زال في المتاهة.
لقد ضُرِب هذا الشعب في كل زاوية من زوايا التماسك الإنساني:
لا أسرة مترابطة، لا روابط بين الأب والأم، ولا الأُخوّة بين الأبناء، لا ألفة بين أبناء المدينة، ولا صِلة بين الجيران…
الجميع أفرادٌ متباعدون، متناقضون، متخاصمون، متحاربون.
وكلّ ذلك يُبرَّر باسم «الحرية الشخصية» و«حقّ الأنا العارفة» في أن ترى العالم بمنظارها الخاص.
لكن حتى هذه «الأنا» مشتّتة؛
أفكارها لا تنسجم مع أطماعها، ولا أحلامها تتوافق مع مساراتها.
كأن هذا الشعب رضيعٌ خديج، لا يُجيد من فنون الحياة إلا الامتصاص، يَرضَع ما يُلقَى في فمه، عاجزًا عن الاختيار، غائبًا عن التقرير.
شعبٌ قُسّم، ومُزِّقت أوصالُ بلاده، فراح يُنظّر للتقسيم، ويُجمّل الجغرافيا الجديدة.
صُنع له كياناتٌ رخوة، هجينةُ المفاهيم:
دولةُ الحزب الواحد،
ودولةُ الديمقراطية التوافقية الطائفية،
ودولةُ الملك الذي يملك حتى هواء المواطنين،
ودولةُ الأمير الذي لا يُخلَف إلا بأمير!
والمفارقة الكبرى:
الجميع لا مع الدولة ولا ضدها،
لكن الجميع يدّعي الدفاع عنها… والجميع أيضًا يدّعي محاربتها!
أيّ تركيبٍ هذا؟
حقًا، لا تراه إلا في حكايا الخيال، وفي أوهام الجنون.
شعبُنا يُقتل عن بكرة أبيه في فلسطين ولبنان، على يد العدو اليهودي، وبمساعدة من؟
بمباركة أمهات الديمقراطية الزائفة: الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، ومعظم أوروبا.
ويا للعجب: جزءٌ من هذا الشعب المذبوح، يتوسّل القاتل ليضمن له السلامة، ويؤمّن لأنصاره البقاء والازدهار!
أليس من الجنون ـ لا من السذاجة فقط ـ أن نصدّق أن الولايات المتحدة حريصةٌ على لبنان، أو على الشام، أو على أيّ شبرٍ من أرضنا؟
أليست هي من تدرب وتسلّح وتدعم وتشارك القاتل اليهودي؟
أليس سلاحها من دمّر بيوتنا، وأجهز على أهلنا؟
فكيف نأمن ألا تُعيد القتل؟
وهل للمجرم عهد؟ وهل يُوثق بوعدٍ من يده تقطر دمًا؟
أليست هي، ومعها حلفاؤها، من دمّر الشام، وحاصر الشام؟
واليوم، تُعلن وعود الإعمار والنمو والتقدّم!
لا تقتلوا أطفالي، لا تُحرقوا حقلي، لا تُدمّروا مصنعي، لا تحتلوا أرضي،
ولا تمدّوا أيديكم الملطّخة بدمائنا لتدّعوا «الإنقاذ».
من دمّر العراق، دمّر اقتصادَه،
ومن احتلّ العراق، أليست الولايات المتحدة وشركاؤها؟
فهل من عاقلٍ يظنّ أن القاتل حريصٌ على حياة من جعل آباءهم وأبناءهم قتلى؟
إنها حفلة جنونٍ غير مسبوقة في بلادي،
حفلةٌ لا يقبلها عقل، ولا يحتملها منطق،
ومع كلّ هذا الإجرام اليهودي، يلهج الجميع بالسلام، بالتطبيع، بالهدوء!
لكن، مع من؟
مع من يرفع شعار: «أرضُكِ يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل»؟
مع من يؤمن بوعد يهوه: «أعطيك هذه الأرض لك ولذريّتك»؟
مع أميركيٍّ يرى أن باطن الأرض للشعوب المتحضّرة، لا للمتخلّفة التي تسكن فوقها؟
نعم، لقد ضيّع هذا الشعب العقل والمنطق، وفَقَدَ القوة.
عبد الدولار، وجعله إلهًا لا يُناقَش،
ومن ظنّ أن تنظيم حياته الاقتصادية لا يكون إلا بالدولار،
سمح لهذا الدولار أيضًا أن يتحكّم بنفسيّته، بروحه، وبوجوده.
أيها الشعب،
تمرَّد على الدولار، وعلى فضة يهوذا،
قاوِم غيبوبتك بإرادة الصحوة القومية الاجتماعية.
ولا تأمن لقاتلك،
قاوِم كلّ من يروّج لبضاعة العدو: من سلامٍ وتطبيع.
لِتَسلَم، قاوم.
لِتَبقَ، قاوم.
وارفُضْ كلَّ دين، كلَّ مذهب، كلَّ فتوى، كلَّ قانون، كلَّ استفتاء،
يُلغي وجودك، ويزيِّن لك السلام مع العدوّ اليهوديّ المحتل، أو مع الأميركيّ المستعمِر.

