تأخّر سنّ الزواج .. معايير مغلوطة هكذا تُواجه

يختلف تحديد السنّ الأنسب للزواج بين مجتمع وآخر وبين ثقافة وأخرى، فضلاً عن المعايير الشخصية في تحديد أفضل وقت لاتخاذ هذه الخطوة. ومع ذلك يمكن القول أن مرحلة تأخّر الزواج بالنسبة للإناث هي مع نهاية العقد الثالث. يُعتبر لبنان من الدول الأعلى نسبيّاً (%85) في تأخّر سن الزواج في العالم العربي، وذلك لأسباب عديدة أهمها الأوضاع الاقتصادية والبطالة وغلاء المعيشة (كلفة الزواج وإيجارات البيوت والمصاريف اليومية). يأتي هذا بالإضافة إلى رغبة الفتيات بالتعلّم والاستقلال الشخصي والماديّ وزيادة دافعيتهن للعمل والوعي وتحقيق الذات مما حتّم وجود معايير انتقائية مختلفة وصعّب عمليّة اختيار الشخص المناسب.
قد لا تُعتبر قضيّة تأخر سنّ الزواج مشكلة لدى فئة معيّنة من الفتيات اللّواتي يتمتّعن برضى عن الذات وثقة مرتفعة بالنفس، ولا يتأثّرن بضغوط المجتمع ولا يشعرن بالحزن وليس لديهنّ أي مشاعر غيرة من النساء المتزوجات، لأنّهنّ هنّ من اتّخذن قرار تأخير أو عدم الزواج بإرادتهنّ، ويملكن سلّم أولويّات حياتي مغاير عن الفئة الأخرى التي أثّر بها هذا التّأخّر سلباً، وسبّب ضغطاً نفسياً واجتماعياً لأصحابها من أهم أسبابه:

  • ضغوط الأهل والمجتمع: تتعرّض الفتاة التي تتأخّر بالزواج إلى ضغوطات شديدة من الأهل والمجتمع بسبب تدخلاتهم وإلحاحهم بالسؤال عن سبب تأخّرها بالزواج، ومتى سيفرحون بها، وهل هناك من سيتقدم لخطبتها لدرجة أن عبارة (عقبالك أو بفرحتك) يمكن أن تسبّب انزعاج وقلق نفسي لها. بالإضافة إلى أنه قد يُنظر إليها بعين النقص أو الشفقة لحد وصفها بـ”العانس”، ويعود ذلك للصورة النمطية المزروعة مجتمعيًا، والتي تربط الفتاة بالزواج بالرغم من تحقيقها لإنجازات في حياتها، فيرى الآخرون بأن مسيرتها الحياتية تبقى ناقصة دون زواج.
    هذا وقد يتم استغلال هذه الفتاة في بعض البيئات من قبل اخوتها وزوجاتهم لمحاولة الاستفادة منها مادياً او خدماتيًا، أو قد تتعرض للاستغلال العاطفي من قِبل الرجال كونها تعيش فراغاً عاطفيّاً!
  • غريزة الأمومة وهواجس الإنجاب: تعتبر غريزة الإنجاب والأمومة فطرية ومرتبطة باستمرار الطمث، فكلما كبرت الفتاة تصبح إحتمالات الإنجاب لديها أقل، ويبدأ المحيطون بها بتذكيرها بهذه المخاوف وبأنها أصبحت في مرحلة الخطر والعدّ العكسي، فتُنصح بخفض سلّم معاييرها الانتقائيّة بالنسبة للشّريك.
    كل هذا الضغط يؤثر على الحالة النفسيّة للفتيات مسبّباً القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، وأحياناً يتسبب بتراجع الكفاءة والأداء نتيجة التوتر النفسي، بالإضافة إلى اختلال في ترتيب أولوياتها، حيث تواجه صعوبة في استكمال الخطة التي رسمتها لسير حياتها. هذا ومن الممكن أحياناً أن تسيطر على الفتاة حالة من العزلة والابتعاد عن التواصل مع الآخرين، وفي حالات أخرى يصل التأثير السلبي لدرجة الغيرة من الأخريات المتزوجات، وتظهر حتى العدوانية تجاههن.
    ولتفادي حدّة الأثر النفسي السلبي لتأخّر سن الزواج يُنصح الفتيات بالتركيز على حياتهنّ ومستقبلهنّ بمعزلٍ عن فكرة احتمال لقاء الشريك المناسب أم لا. فالتركيز يكون على إثبات القدرة الذاتية للإنجاز والنجاح فتكون الفتاة عنصراً فعالاً منتجاً في المجتمع وليست عالة أو عبئاً على أحد، مما يعزّز الثقة بالنفس لديها. كذلك فإن الاهتمام بالذات على صعيد المظهر الخارجي والصّحي (ممارسة الرياضة) والانشغال بوضع أهداف شخصيّة والعمل على تحقيقها يساعد على تخفيف حدّة القلق الناتج عن التفكير بالضغوطات الاجتماعية، ويرفع من تقدير الذات الذي بدوره سيساعد الفتاة في حال دُخولها بعلاقة مع رجل، أن يكون وجود الرجل إضافة لحياتها وليس حاجة ملحّة تقدم لأجلها التّنازلات.
    أمّا في حال زيادة الضغوطات النّفسية وظهور شعور ذاتي بالضيق أو معاناة نفسيّة لا يُستطاع التعامل أو التأقلم معها، يُنصح باستشارة أخصّائي نفسي للمساعدة على تخطّي تلك المشاعر وعلى التفكير بطريقة إيجابيّة ودحض المخططات الفكرية السلبية في حال وجودها.

ريما كسر – أخصائيّة نفسيّة