بعيداً عن الرغائبية في السياسة والأمنيات بالنصر وصيغ الحسم المطلق أو الهزيمة النكراء فكيف لنا أن نحدد نتائج حرب ال 12 يوما والتي تدعي فيها أطرافها الثلاثة المباشرة إيران الولايات المتحدة و(إسرائيل) أنها منتصرة؟؟
وبما أن السياسة قد أصبحت علما له قواعده وقوانينه، فمن الممكن تحديد نتائج الحرب من خلال هذه القواعد والقوانين التي تقول بديهياتها أنها قرار سياسي يتخذه الحاكم والحكومة ويشرف على تنفيذه العسكر فالحرب وان كانت عدوانية ودموية في الشكل والأداء إلا أنها سياسية بالمضمون والهدف.
منذ تشكيل نتنياهو لحكومته الأولى قبل ثلاثة عقود، وهو يعلن صراحة عن ضرورة الحرب مع ايران والحيلولة دون تنفيذها لمشاريع المفاعلات النووية حتى ولو كانت للأغراض السلمية وبأشراف من وكالة الطاقة الذرية، وعمل على ذلك بالاستعداد العسكري والاستخباري وبتحريض الإدارات الأمريكية المتعاقبة على ذلك، كما نشر التقارير والأخبار التي تشيطن ايران وتشرعن الحرب عليها، ولكن الإدارات الحاكمة في واشنطن مع تناقضها التام مع طهران إلا أنها كانت تدرك أكلاف ذلك، وتكتفي بالحصار والعقوبات ومحاولات إرهاق الدولة وضربها من الداخل .
الأمر الذي تواصل لأربعة عقود ونصف دون أن يفلح لا في إسقاط النظام ولا في صنع ديناميكيات داخلية معارضة غير وطنية.
الإدارة الحالية في واشنطن ورئيسها النرجسي المغرم بحب الخروج عن المألوف قرر فتح حوار مباشر مع طهران دون استشارة وكيله الشرق أوسطي، و عقدت خمس جولات تفاوضية في مسقط كانت ايران خلالها متمسكة ببرنامجها النووي السلمي ومؤكدة التزامها بفتوى المرشد الذي حرم إنتاج القنبلة الذرية، وهي ترى أن المساس بالمشروع النووي هو مساس بمصالحها العليا وكرامتها القومية، وقبيل عقد الجلسة السادسة منح الرئيس ترامب التصريح لنتنياهو بشن ضربة استباقية بالغة القوة ،تحطم بها (إسرائيل) لا المنشآت النووية فحسب وإنما تضرب و تصيب بالشلل كل مفاصل الدولة لتأتي ايران إلى الجولة السادسة مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة.
لكن حسابات العقل الأمريكي ـ (الإسرائيلي) لم تلتق مع عناد وإصرار إيران في الدفاع عن نفسها خاصة وهي تدرك أولاً أن الهدف الحقيقي للعدوان هو النظام والدولة والمجتمع، وهي تحتاج ثانيا لاسترداد هيبتها التي فقدتها في دمشق والضاحية الجنوبية فكان الرد الإيراني الذي طال كل المدن والتجمعات اليهودية في فلسطين المحتلة وهو ما لا تستطيع (إسرائيل) احتماله خاصة وان طال أمده.
واذا كانت إداره ترامب مكتفية بجلب ايران ضعيفة إلى مسقط ولكنها لم تكن تمانع في أن تنجح الأهداف (الإسرائيلية) والتي تتجاوز مسالة المفاعلات النووية (فإسرائيل) تريد إسقاط النظام واستبداله بنظام على شاكلة الأنظمة الإبراهيمية على الساحل المقابل لإيران، وتريد نشر الفوضى عبر فئران (جواسيس صغار) على استعداد لخيانة الوطن مقابل المال القذر وان واشنطن واتباعها لم يجدوا ايه جهات معارضة للنظام مستعدة لخيانة بلدها، وتريد أيضاً ضرب المشاريع الطموحة والنجاحات التي تحققت أثناء الحصار الطويل في مجالات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والطب كما في المشاريع النووية والسلاح الصاروخي وتريد منع ايران من العودة إلى تمددها الإقليمي وحصرها في نطاقها الفارسي.
استطاعت (إسرائيل) بقوتها الجوية المتفوقة ومسيراتها التي كانت قد زرعتها في ايران أو في الجوار الإيراني أن تحقق نتائج تدميرية كبيرة تفوق الدمار الذي أحدثته الصواريخ الإيرانية في فلسطين المحتلة، ولكن فائض القوه (الإسرائيلي) تهاوى أمام فائض الصبر والروح الإيرانية القادرة على احتمال الخسائر والتي تغلبت أيضاً على الضربات الأمريكية و قنابل 3000 رطل، والسؤال الذي يحمل الإجابة في باطنه، هل تحقق شيء من أهداف (إسرائيل)، أما أنها هي من انهارت صورتها الردعية، وفشلت أسلحتها ودفاعاتها من قبة حديدية إلى مقلاع داوود إلى صواريخ حيتس التي كانت تتباهى بها و تريد تسويقها كبضاعة عسكرية رائجة، فيما القيادة الإيرانية لا زالت ممسكة بزمام الأمور والمعارضة الإيرانية أثبتت وطنتيها وان خلافها مع مؤسسة الحكم لا مع الوطن و محكوم بالضوابط القومية، وان استحضار مومياء مثل ابن شاه ايران المخلوع، امر بدا بالغ السخافة، وربما تأثرت بعض الصناعات والبنى التحتية الإيرانية بشكل يمكن ترميمه سريعا وربما تعرقل المشروع النووي قليلا لكنه قائم ومستمر.
ايران التي كان يراد لها أن تذهب راكعة للجولة السادسة في مفاوضات مسقط ستعود اقوى من ما كانت فنتائج الحرب كانت جيدة بالإجمال، ولكن كان من الممكن أن تكون ممتازة لو طاب زمن الحرب قليلا ولو أدخلت ايران في رؤيتها للحرب ضرورة إعادة بناء محور المقاومة والدفاع عن الإقليم الذي يحتاج إلى مساعدتها طالما خرجت قوية من هذه المواجهة، تحتاج إلى ذلك سوريا الشام التي يلعب بحكامها الجدد (الإسرائيلي) و التركي، ولبنان الذي اصبح جنوبه تحت سيطرة الجيش (الإسرائيلي)، وغزة التي تقاتل بما تبقى من بقية البقايا، والضفة الغربية المهددة بمشاريع الضم والتغيير.
ونعود للبداية و لعام 1969، هل انتهت هذه الحرب ام أن هدنة قد عقدت، وان جوله من جولات الحرب قد انقضت واننا سنكون بانتظار استئنافها في جولات قادمه؟