“صباح الخير” أرحبُ وأكثر اتساعاً

َبعضُ الظواهر تبدأ على شكلِ حدثٍ، ثم في مراحل لاحقة تتحولُ إلى قاعدةٍ، ثم مع مرور الزمن تُصبحُ حقيقةً ثابتة ويُعَبَّر عنها بسلوكٍ طبيعي.
وبالرغم من أن هذه القواعد قد لا تخلو من الإستثناءات، إلا أن الإستثناءَ لا يفقدها حقيقتها وثباتها.
فالصباحُ والنُّهوضُ مثلاً، مُتلازمانِ إلى حدّ الثباتِ العلمي، وإلى حدودِ الحقيقةِ القائمة، والتي لا تحتاجُ تدخلاً لتثبيتها حتى وإن وُجدت بعضُ الإستثناءات البشرية “الآدمية”، فإن كل ما خَلا ذلك يُثبت هذا التلازم.
على عكس بعض الحقائق التي لا تظهَرُ جليةً بالمُراقبة والمُشاهدة فقط، بل تحتاجُ في مسيرةِ جلائها وبروزها إلى التدخُّل الفعال وانتهاج التحليل والإستنباط والتدليل والإستنتاج، ثم التوثيق والشرح، وقد تحتاجُ أيضاً في بعض الحالات إلى تغييرِ البُنيةِ لبعضِ المُكوّنات، وارتباط النهوض بالخير هو واحدٌ مِن هذه الحقائق.
فكيفَ يكونُ الصّباحُ خيراً؟
وإذا كانَ ارتباطُ النهوضِ بالصباح طبيعياً ولا يحتاجُ إلى إثبات، كيفَ إذاً نُثبتُ حقيقةَ ارتباطِ النهوضِ بالخير؟
بالطبع لسنا بوارد الدخول في سجالِ جان جاك روسّو مع توماس هوبز، والإصطفاف في صراع ما إذا كان الإنسان بطبيعته خَيِّراً مُسالماً أو شريراً بَشِعاً؛ فقد نقلتنا النهضة القومية الإجتماعية فوق كل هذا التاريخ الحافل بالنظريات الفلسفية وتأرجُحِ الأفكار والإتجاهات إلى صفيحٍ صلبٍ مِن وُضوحٍ ويقين، لننطلق في رحلةِ بناءِ الإنسان الجديد، الإنسان المجتمع، الإنسان الذي أدرك بأن الأمة السورية مجتمعٌ واحد، وأن مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة.
وبما أن الدليل الواقعيّ يُظهر بأن تسعينَ عاماً مِنَ التدخُّل لم تكن كافيةً لتثبيت هذه الحقيقة، فلا شك بأن الخلل كان وما زال يكمُنُ في البناء.
البناء، بوصفه الفعلَ والحدث الأهم والأحوج والأساسي، وليسَ المُصطلح الفارغ أو العنوان المنمّق فوق مانشيت.
فلو كان فعل البناءِ سليماً، لكُنّا الآن أمام حقيقةٍ ثابتة وحقٍّ مُصان.
البناء الذي يبدأ بالإنسان قبل أن يطالَ أي شيءٍ آخر،
وهو الدَّربُ الوحيدة المُلزِمة للخروجِ من قوقعةِ التخلفِ، وكل ما يقفُ عائقاً بوجه الخير المنشود في الصباح.
البناء الذي يتطلّبُ حُكماً الهدمَ في مراحلهِ الأولى
فهل يُبنى الحَقُّ على رُكام الباطِل !!
أو بتزاوجِ الحق والباطل،
أو بتآلفِ المثالبِ والفضائل؟
وهل يُنتَظَرُ مِنَ البُذورِ التي تُلقى في حقلٍ مِنَ الأشواكِ والصخور أن تُزهِرَ وتُثمِر؟
وهل تُرمى الجواهرُ أمامَ أقدامِ الخنازير؟
كُل هذه الأسئلة هي حصيلة تسعينَ عاماً من الفشلِ في التدخل لإحقاقِ الحق وإثباتِ حقيقةِ تلازم النهوضِ والخير،
والفشلُ هُنا هو الفشل في البناء.
فإذا استعدنا المُنطلق العقلي بوصفه الشرع الأعلى، نجدُ بأن تحويلَ الرّخاوةِ إلى صلابةٍ، والضعفِ إلى قوّةٍ، يحتاجُ عناصرَ وعواملَ تتفاعَلُ إيجابياً، وتتمازجُ لتنتجَ حالةً جديدة، تتخلى عن نفسها ووصفها السابق لتكونَ جزءاً من شيءٍ جديدٍ، كالجدار الصلب الذي تمازج فيه الإسمنتُ والماء والرمل والهواء ليصبح حصناً دهرياً راسخاً، فلا يمكن للرمل أن يبقى رملاً داخل الجدار.
وكذلك في بناء الإنسان الجديد،
فلا يمكن أن يعي انسانٌ ما مصلحةَ مجتمعهِ دونَ أن يُلقي عن أكتافهِ أثقالَ الأنانيةِ والمصلحة الفردية.
ولا يمكن أن يقودَ مسيرةَ مُلاقاةِ الصباحِ، وفي نهوضهِ كلّ رواسبِ الظلام والليلِ الحالك.
صباحُ الخيرِ إذاً…
هي الرَّحبُ الأوسع والمساحةُ الأرحب،
هي أيضاً ليست مصطلحاً فارغاً أو عنواناً منمّقاً لمانشيت
صباحُ الخيرِ، هي الغايةِ التي يُحققها البناء، والبناء السليم حصراً.
البناءُ المُضاءُ بقناديلِ العقيدةِ القوميةِ الإجتماعيةِ الصّرفةِ البحتةِ الخالصة
البناءُ المشيَّدُ بسواعدِ القوميينَ ومواهبهم وفنونهم،
البناءُ المستعدُّ دائماً لهدمِ كلِّ خللٍ فيه، والقضاءِ على كلّ مثلبٍ فيه، وتطهيرِ نفسهِ كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
صباحُ الخير

وائل ملاعب

الرسم للفنانة ماريا نصرالله

One thought on ““صباح الخير” أرحبُ وأكثر اتساعاً

Comments are closed.