المناقب أوّلاً

اتصل بي من ابادله المودة و الاحترام طالبا مني مقالا للعدد الأول من هذه الدورية الالكترونية الجديدة, اسعدني الطلب و ما انعم به علي المتصل من ثقه, و ان رتب علي واجبا بان التزم بمقولة : صديقك من صدقك لا من صدقك, و بالتالي علي ان اصدقه القول و ان اصدق القارئ الكلمة. رأيت في البداية ان اكتب مقالا سياسيا يتعلق بالشأن القومي ان في فلسطين و ان في الشام او العراق او مقالا بالسياسة الدولية , و لكن بسبب ان هذا هو العدد الأول عدت و ارتأيت ان اتحدث في القيم و المناقب التي نشأت عليها النهضة التي نؤمن بها, تاركا السياسة و شؤونها لمقالات قادمة.
املي كبير ان يكون اطلاق العدد الأول من هذا المشروع هو بسبب الحاجة اليه كمنبر متوازن ذو هوية واضحة و رساله قومية لا ان يكون ردة فعل على حادث مؤسف, اذ تنطق هذه الدورية الالكترونية بفكر النهضة الذي قام على قاعدة ثابته من الاخلاق الحميدة و المناقب الرفيعة كما يعرف المؤمنون بها و كما يعرف من اطلع على الفكر القومي و أدبياته و آثار باعثها الذي عمل على خلق الانسان الجديد الحامل و الممارس لتلك المناقب في سياقها المجتمعي, اذ يقول باعث النهضة : كل نظام يحتاج الى اخلاق, بل ان الاخلاق هي في صميم كل نظام, فالنظام الذي إرادة لم ينشا لخدمة الموتى و لإحياء المثالب بل لإحياء المناقب الجميلة السامية مشددا على التراحم الداخلي الذي يمكننا ان نطلق عليه اسم قانون المحبة بين أبناء النهضة والإخلاص لقضية تساوي وجودنا.
تعيش الامة اليوم في حال لا تسر, فجنوبها محتل من قبل كيان غاصب آخذ في التمدد و أصبحت يده الطويلة المطلقة قادرة على ان تصل الى اقصى بقاع ارضنا القومية, و حروب الإرهاب و التكفير و التطرف المدعوم من جميع قوى الشر في العالم تفتك بقلبها و شرقها من درعا حتى البصرة, و الجيران المتربصون بنا شرا و تقسيما و تمددا على حساب ترابنا القومي في شغل و نشاط, فيما لبنانها الذي يعاني من ازماته السياسية و الاقتصادية و المالية التي تكاد ان تصل به حد الإفلاس كما سيريلانكا مؤخرا, مقبل على معركة رئاسة الجمهورية التي لن تكون سهلة و مقبل على مواجهه كبيرة مع العدو الإسرائيلي حول حقوقنا في غاز البحر المتوسط و التي تحمل إمكانيات المواجهة العسكرية الحادة مع العدو, في هذا الواقع الصعب نفترض ان تتطلع الامة لأبنائها المخلصين من ورثة فكر النهضة التي قدمت مشروعها منذ عام 1932 باعتباره المشرع النقيض لمشروع التجزئة و نتائجه التي صنعت في جزء وطننا كيانا غريبا فيما عملت على صناعه هويات فرعية في باقي كيانات الامة و على حساب الهوية القومية الجامعة.
لكن النهضة التي هي امل الامة تعاني بدورها وفي وقت تكون الامة في أمس الحاجة لدورها في الدفاع عنها، النهضة وبألم واسف لا تقوم بدورها وانما استمدت من حالة التجزئة شحنة كهربائية سالبة اذ أصبح الطبيب هو المريض الذي يحتاج الى العلاج السريع ليقوم بدورة في شفاء المجموع القومي، فحالة الاستقطاب الحاد والانقسام الخطير حول مسائل لا علاقة لها بالفكر والعقيدة التي تجمع الفرقاء جميعا والذين تبدو بياناتهم متطابقة في نصوصها عند الحديث عن العقيدة.
انها حالة عصبية تفقد من يصاب بها قدرته على الفعل الرشيد و على اتخاذ القرار الصائب. رفقا بأمتكم يا أبناء النهضة , عودوا الى رشدكم.

سعادة مصطفى ارشيد

الرسم: الراحلة ريم فخر الدين