ثانياً: في زمن الردة العربية الرديء حين أصبح الصلح مع العدو هو المطلب وحدوده الآمنة هي الهمّ، وحين رصّعت الحكمة بجواهر مزيفة تصف الاستسلام «بالاعتدال» وحين تبارى حكام العرب بأكثريتهم في الانتساب إلى نادي «العقلاء» المرهوبين المرعوبين من سطوة إسرائيل المتهافتين على إيقاع مشاريعهم مع المشروع الأميركي للحل التصفوي للقضية، وحين يقف رئيس النظام المصري ليدعو القوات السورية ـ لا الإسرائيلية ـ إلى الانسحاب من لبنان، ويعتذر لحكام تل ابيب عن ثورة مصر الأبية واصفاً إياها بنزق المجانين ويغتنم فرصة ذلك ليرفع القيود التجارية والسياحية بين مصر المكبلة بقيود كامب دايفيد والكيان الصهيوني،
في زمن البحث في صيغ الحدود مع العدو الصهيوني الاستيطاني العنصري المتوسع، تارة من الضفة الشرقية وطوراً من الحزام الأمني الجنوبي المغتصب الذي ينتظر الانعزاليون ان يكون رافعتهم للتدويل.
وبينما يرفض الشعب المقاوم كل هذا حين يقاتل ملاحقاً العدو على كل أرضنا، يقاتل في جنوب لبنان وهو يقصف مستوطنات العدو في شمالي فلسطين، ويقاتل في فلسطين، كل فلسطين، حتى عاصمة كيان الاغتصاب، وينتفض في الجولان مصرّاً على هويته القومية والوطنية، انه «صراع الحياة والموت» ان «خط الصراع هو خط التقدم» و «ان الحياة كلها ووقفة عز (سعاده) هو النهج الذي يرشد صراعنا ضد العدو.
ثالثاً: توحد الشعب والأرض في وجه خطة العدو واستلاب كل أرضنا ان خطة العدو في استلابنا كل أرضنا تقتضي توحيدنا نحن لكل أرضنا في ظل وحدة كل شعبنا. فلا يمكن أن يكون شعار العدو الاستراتيجي حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل وتبقى هذه الأرض الواحدة أسيرة سايكس-بيكو في النضال القومي الواحد ضد العدو. لسنا مع شكل من أشكال الوحدة، ولكننا مع جوهر التوحيد للجهد القومي المشترك سمّه تكاملاً، أو تنسيقاً، أو اتحاداً، أو وحدة فالمهم أن تزول التناقضات لمصلحة وحدة الاتجاه والثورة والمصير والمواجهة: وحدة الحياة المتغلبة على مصير الموت الذي يفيد من تناقضات التجزئة والتقسيم.
ولطالما طرح العقل الرومانسي التناقض اللفظي حائلاً دون اتساق المنهج والمنطق العملي والعلمي. فنشأت صراعات تناحرية لا معنى لها في حرب الوجود.
ونحن هنا ندل على المصالحة الحقيقية بين الأهداف لأسقاط عهد اللفظية والرومانسية والتشاطر الخطابي لمصلحة صراع الحياة والمصير.
لقد أطلت علينا الخمسينات والستينات بأحجية التناقض بين الوحدة العربية والوحدة السورية حتى أن وقعت نكبة 1967 ثم حرب تشرين 1973 بدا بوضوح أن بلوغ وحدة العرب لا يتناقض، بل يفترض وحدة سوريا الممزقة بخناجر الاستعمار الأوروبي ولمصلحة قيام إسرائيل وتوسعها وليس كما نصّ دستور عبد السلام عارف في العراق على استبعاد وحدتها حتى لا تتناقض مع وحدة القاهرة.
وأنه لا يجوز تعطيل الوحدة السورية بزعم ان ذلك لمصلحة الوحدة العربية كما انه لا يجوز عزل وحدة سوريا عن مهمة توحيد العرب. بل ان العمليتين كانتا متلازمتين تاريخياً، خاصة متى كان الأمر يتعلق بتحرير فلسطين. فمن دمشق انطلق عصر الفتوح حتى الأندلس ومن دمشق انطلق صلاح الدين إلى حطين ثم إلى تحرير بيت المقدس.
رابعا ـ الموقف الدولي: واشنطن ترفض حق تقرير مصيرنا وتزوّد عدوّنا بآلة قتلنا.
ان علاقة حرب تحريرنا القومية بالعالم نابعة من مواقف دوله وقواه من قضية تحررنا وتوحدنا القوميين. ففي صراع الوجود يحتاج العدو إلى استيراد الانسان والآلة. العدو الامبريالي يزوّد، بالآلة لحصدنا وضربنا، يحصّن اغتصابه ويسهم في إبادة شعبنا وتهجيره في فلسطين، في لبنان، في الجولان، يجيز حروبه ويدعمها ويعطيها غطاءه. بل هو أكثر من ذلك في محك الانسان والأرض يرفض الاعتراف لنا بحق تقرير المصير في فلسطين ويقوّض الأمم المتحدة مادياً ومعنوياً حين تقف في الحدّ الأدنى ضد ممارسات العدو بالفيتو المستخدم لنصرة الباطل والاغتصاب والعدوان وبحجب الموازنة عنها وبتعطيل قرارتها.
ولعل المثل الأخير على موقف الولايات المتحدة من قضيتنا في الأمم المتحدة ما نشر في 15 كانون الثاني 1985 من رسائل وجهتها إلى «الدول العربية المعتدلة والصديقة» تنصحها فيها عدم التصويت على قرارات دولية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة ووضع القدس والجولان بحجة أن ادانة إسرائيل ووصمها بأنها دولة غير محبة للإسلام لا يساعدان الوضع في الشرق الأوسط وأن ذلك اعتداء على صلاحيات مجلس الامن وتدخل غير مقبول من الأمم المتحدة في العلاقات بين الدول.
أترى حين قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أربعين عاماً انشاء إسرائيل وتقسيم فلسطين ألم يكن ذلك تدخلاً غير مقبول من الأمم المتحدة في العلاقات بين الدول بفرض كيان استيطاني استعماري على شعبنا وأرضنا؟ ثم تصبح ادانة توسع هذا الكيان وخروجه حتى على قرارات الأمم المتحدة في عدوانه والحاقه وضمّه «تدخلاً غير مقبول في العلاقات بين الدول».
الأول قبلت به واشنطن ـ الذي هو تكريس العدوان بإقامة إسرائيل، أما كبح جماح المعتدي المتفرع عن الأصل تثور ضده؟ أليس هذا هو الظلم متجلبباً جلباب العهر السياسي؟ ثم أفعال إسرائيل في فلسطين والقدس والجولان لا تعني واشنطن لكن وصف هذه الأفعال بأقل ما يكون من كلام هو الذي يؤذي عملية السلام في الشرق الأوسط.
وتصرّ واشنطن على نفي دور الأمم المتحدة عما يسمى بعملية السلام، وتصرّ على طرح حلولها التصفوية المنفردة لقضيتنا ـ ولكنها تشفع تلك الحلول التصفوية بشعار مرضي شكلاً: وقف الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة. وهنا الخديعة الكبرى تتكرر فمن كامب دافيد إلى مشروع ريغان تطرح واشنطن وقف الاستيطان، ولكن لا يلبث أن ينقشع ضباب المخاتلة والمخادعة. كيف توسع الاستيطان في الأراضي المحتلة بعد كامب ديفيد وضمت القدس والجولان ثم جاء مشروع ريغان فرفضه الصهاينة شكلاً وأعلنوا توسعهم في الاستيطان ردّاً على مخاتلته وخداعه لنا في أنه يشترط وقف الاستيطان. فماذا كانت النتيجة؟ رفعت إدارة ريغان المساعدات الأميركية لهم، أي تمويل استيطانهم المتوسع عملياً مع نصّ في مشروع ريغان على وقفه. هذا هو النفاق بأقبح صوره.
وأكثر من هذا، فكلما شنّ العدو عدواناً أو حرباً كغزو لبنان، رفعت واشنطن دعمها له مليارات الدولارات بينما تلغي 18 مليون دولار لتمويل قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان وتضنّ بأية مساعدة لأعمار لبنان الذي اجتاحته وهدمته إسرائيل بالأسلحة التدميرية الأميركية. فالولايات المتحدة تبيح أرضنا للاستيطان، وتموّل هذا الاستيطان، وتبيح أرضنا للغزو وتموّل هذا الغزو وترفض الاعتراف بحق تقرير مصيرنا في فلسطين، وتعطل كل قرار ضد إسرائيل في ضمها الجولان أو القدس، وتوافق إسرائيل على اقتطاعها ارضنا في الجنوب اللبناني وتطرح علينا مشاريع تصفية حقنا في ارضنا والحيلولة دون عودة شعبنا المشرد اليها الذي تريد توطينه خارج فلسطين. وأخيراً يقوم العملاق الامبريالي بتخزين أسلحته في كيان العدو الصهيوني لضربنا إذا ما تحركنا ويبدأ معه تجارب تطوير هذه الأسلحة التدميرية في ظل اتفاق التحالف الاستراتيجي.
في يوم الأرض ماذا نقول في من يتآمر على الأرض والانسان في بلادنا غير أنه حليف عدونا، بل عدونا هو أيضاً.
بقلم انعام رعد