« سيفو»السيف العثماني الذي ذبح السريان

عُرِفَتْ هذه المجازر بعدة تسميات محلية لعل أهمها «سيفو» ܣܝܦܐ، وهي لفظة سريانية تعني «السيف» في إشارة إلى طريقة قتل معظم الشهداء. كما عرفت سنة 1915 وهي السنة التي بدأت بها المجازر في منطقة طور عابدين ب-«شاتو دسيفو»، ܫܢܬܐ ܕܣܝܦܐ أي «عام السيف». ويقدر عدد الشهداء في هذه المجازر حوالي 700 ألف سرياني وآشوري.

 سياق تاريخي

السريان كغيرهم من المكوّنات المسيحية داخل السلطنة العثمانية، تعرضوا للفتك والتعسّف، بشكل مباشر وبوحشيّة قلّ نظيرها آنذاك؛ بالرغم من انّهم اكتفوا ان يكونوا مواطنين يتقيدون بقوانين المجتمع ولم تكن لديهم مطالب قوميّة او هموم سياسية. ولكن يجب وضع مجازر سيفو 1915 ضمن سياقها التاريخي، ففي ولاية ديار بكر كانت المجازر قد بدأت قبل سنوات وذلك بين عامي 1894-1896 وكانت من ضمن المجازر الحميدية التي استهدفت سكان المنطقة من المسيحيين.   حيث كان السلطان عبد الحميد الثاني قد أنشأ عام 1891 الفيالق المسماة(الحميدية) وكانت في غالبيتها مؤلفة من الأكراد، في عام 1892 كانت 40 فرقة، وأصبحت 63 فرقة في عام 1899 وعدد كل فرقة من 500 إلى 1000 رجل.

في تشرين الأول 1895 وقّع السلطان الفرمان الجديد الذي يسّن الإصلاحات، وعندما وصل هذا الفرمان إلى ديار بكر تسبّب بحوادث عنيفة، فحدثت مذابح وهدم للقرى المسيحية حول ديار بكر: 119 قرية في سنجق ديار بكر تضم 6000 عائلة مؤلفة من 30000 مسيحي ماتوا أو فقدوا، ونُهبت القرى أو أُحرقت بخاصة قرى ميافارقين (1000 نسمة نجا منهم 15)، وقرى أساديا (3000 نسمة نجا منهم 3)، وقطربل(300 عائلة نجا منهم 4).

   مذابح 1915 – 1918

وهكذا بدأت حركة ابادة ضد المسيحيين في مختلف المناطق على يد اكراد وعسكر عثماني هجموا على القرى ممارسين أسوأ طرق التعدّي والانتهاكات. بدأت مع السلطان الأحمر (عبد الحميد) ومن ثم مع خلفائه الاتحاديين وانتهجوا مبدأ القومية الطورانية، وقد بلغت المجازر ذروتها عام 1915، حيث كان الهدف الأسمى لحزب الاتحاد والترقي الحكم من خلال نظام مركزي. ولكن ذلك يتعارض مع مبدأ نظام الملة الذي يعاكس هذه الفكرة خصوصاً أنّ المجتمع العثماني بقي مقسوما بين عدة طوائف دينية ولا مجال لفرض المواطنية بين افراد مختلفون في توجّهاتهم وايديولوجياتهم. فلا يمكن ان يتحقق حلم الاتحاديين بدمج كل شعوب السلطنة بسياسة التتريك.

إذاً هذه الابادة سببها الايديولوجية التي هدف من خلالها الاتراك الى تحقيق الحلم الطوراني بإنشاء امبراطورية قوية تمتد من الصين الى اوروبا وتضم عرقاً واحداً. والتعصب القومي والديني لبناء دولة ذات لون واحد وقومية تركية في دولة اسلامية.

ومنذ كانون الثاني 1915 عنونت New york times ان المسيحيين هم في خطر كبير في تركيا وان طلعت باشا صرّح بوضوح انه لا مكان للمسيحيين في تركيا، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من مراحل العذاب قتل كل الرجال المسيحيين وتمّ سجن النساء والاولاد ونهبت المنازل. كل المناطق حيث تمركز السريان والاشوريون   كان لها المصير نفسه، ولم تختلف طرق القتل والتنكيل بين مجازر 1894 ومجازر 1915، بل كانوا يتفننون باختراع آلات شيطانية لقتل المسيحيين.  

ولم تتوقف هذه المجازر عند العام 1915 انما أكملت مسارها الاجرامي حتى العام 1918. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واستسلام تركيا، بقيت اثار هذه المجازر حية حتى بداية الثلاثينات من القرن العشرين.

وظهرت وثائق بالفرنسية وبالروسية وبالإنكليزية وبالألمانية وبالإيطالية وبالعربية وبالأرمنية وبالسريانية تبرز هول هذه الماساة. وقد اجمعت كلها على ان هذه المجازر قد نُفذت من قبل السلطات العثمانية ولا يمكن اعتبارها أبداً معزولة عنها أو منفذة من قبل جماعات غير مراقبة او غير مسيطر عليها، وقد كتبت الارساليات فظاعة هذه النكبات مثل الارساليات الاميركية واللعازاريين وبنات المحبة وايضا البروتستانت. لم تقتصر هذه المأساة على البشر فحسب، بل شملت الارث الثقافي لهؤلاء. فقد هدموا كنائس ومدارس وبعض المكتبات التي تحتوي على كتب نادرة وعلى مخطوطات مهمّة سرقت او احرقت، وعملوا على محو الذاكرة التاريخية للمسيحيين.

  أورميا وهكاري

تعرضت القرى الآشورية المحيطة شرق بحيرة أورميا إلى مجازر من قبل العثمانيين خلال فترة سيطرتهم عليها، ففي 1915 دخلت قوة عثمانية بقيادة كشلي خان بلدة غولباشان، والتي كانت إحدى أكثر بلدات المنطقة ازدهاراً، وقاموابتدميرها ولم ينج من سكانها سوى المئات. وفي خوسروفا قام العثمانيون بجمع حوالي 7.000 نسمة من سكان القرى المجاورة وذبحهم مع سكان البلدة. أما سكان جبال هكاري فقد اضطروا إلى النزوح إلى أورميا كما تمت إبادة وطرد جميع الآشوريين والسريان والكلدان من ولايات وان وديار بكر ومعمورة العزيز

وفي نفس الوقت توجهت قوات عثمانية بقيادة جودت باشا وخليل باشا كانت متمركزة في هكاري إلى قرى سنجق سعرت حيث تواجد حوالي 60.000 مسيحي، معظمهم من الكلدان والسريان، وقاموا بإبادة جميع سكان القرى المسيحية.

مجازر الجزيرة الفراتية

خلال شهر حزيران 1915، بدأت القوات العثمانية بالهجوم على القرى السريانية بمنطقة الجزيرة الفراتية. ففي 10 حزيران وقعت مذبحة ماردين وما حولها، وفي 14 حزيران هوجمت نصيبين. وقد رفض الحاكم التركي لتلك الأخيرة نوري باشا دخول الجيش العثماني بها لعلمه أن هذا سيؤدي لوقوع مذبحة. ما دفع محمد رشيد باشا والي ديار بكر إلى إصدار الأوامر باغتياله، وبعدها في 21 من نفس الشهر، وقعت مجزرة بمديات. وبعد عودته من سعرت التقى خليل باشا ببعثة يقودها ناجي باشا ومدعومة بمستشارين عسكريين ألمان. لاقت هذه البعثة مقاومة شديدة لدى محاولتها دخول بلدات آزخ وعين ورد وباصبرين السريانية، ما دعا القادة العثمانيين إلى تسميتها بـ«انتفاضة مديات».

وبالرغم من حشد أعداد متزايدة من القوات العثمانية في محاولة دخول تلك البلدات، إلا أن فشلها المستمر في ذلك جلب إليها انتباه كبرى القيادات العسكرية ومنها الجنرال الألماني فون در غولتز أهم القادة الألمان الناشطين في الدولة العثمانية. فأرسله أنور باشا وزير الحربية التركي على رأس فيلق من الجيش الثالث العثماني لإخضاع المنطقة، وبعد عدة معارك فشل العثمانيون والألمان في دخول كل من آزخ وعين ورد. فتم الاتفاق على وقف لإطلاق النار بين الطرفين.

سياسة الإنكار

تركيا لا تزال بعد كل تلك السنوات مصرة على إنكار وقوع حوادث إبادة جماعية من الأساس. فبحسب الدولة التركية لم تكن هناك خطة منظمة للإبادة في أراضيها.  وبناءً عليه قامت أنقرة بتبني قرار «إهانة الهوية التركية» في 1 حزيران 2005 والذي يجعل الاعتراف بحدوث مجازر في عهد الدولة العثمانية جريمة يعاقب عليها القانون. 

ملكون ملكون – السويد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *