حقيقة الأمة… وواقعها

هل بقي عند أحدٍ منا، نحن الذين نتابع التطورات الأمنية والسياسية من تداعيات عملية «طوفان الأقصى»، أية مفردات ومواصفات إضافية «تبشرنا» بها أوضاعنا القومية الحالية ولا تختلف كثيراً عن مشاهد يوم القيامة حسب ما تخبرنا به المرويات الدينية على تنوّع مشاربها؟

يكاد الواحد منا يشعر يوماً بعد يوم، بأننا تدحرجنا ـ وما زلنا نتدحرج ـ إلى قاع مظلم لا قرار له، نعرف كيف ومتى سقطنا فيه لكن ليس لنا أدنى فكرة عن طبيعته ومداه ونهايته… وبالتالي كيف نخرج منه! وعندما نقرأ ما تخطه أقلام الشؤم، أو نتصفح «إبداعات» الأصابع المتهورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتابنا قلق غامض بأننا أصبحنا خارج التاريخ. بل أن التاريخ حذفنا من صفحاته الصفراء وغسل يديه من وجودنا الكلي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

لا شك في أن أحداث السنة الماضية غيّرت معادلات كثيرة، وأسقطت قناعات كانت متجذرة، وعرّت سياسات وشخصيات ذات مواقع مؤثرة. ولذلك باتت هنالك ضرورة ملحة لاستنباط مناهج جديدة للتعامل مع الواقع المستجد على صعيدي الوطن والشعب. ولا أرغب (في الفقرات اللاحقة) أن أستهين بالضربات القاسية التي أصابت قوانا الأساسية والفاعلة، إذ لا نكاد نخرج من صدمة موجعة حتى تنالنا ضربات أكثر إيلاماً!

لكن دعونا نهدئ أعصابنا قليلاً، ونتروى في قراءة مسار الأحداث، ونحدّد إطار تقييمنا لما تعرضنا له منذ عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من فتح جبهات لمساندة غزة، وبالتحديد دور المقاومة في الكيان اللبناني. لقد دفعنا ثمناً باهظاً للغاية، وخسرنا قدرات وطاقات لا يمكن تعويضها سريعاً وبشكل كامل. ومن حيث المبدأ، من الصعب تصور أن تسترجع قوى المقاومة إمكاناتها كما كانت قبل «طوفان الأقصى». لكنها ليست النهاية المعتادة على طريقة أفلام رعاة البقر الأميركيين وضحاياهم من الهنود الحمر.

كل الجرائم التي أرتكبت بحق وطننا وشعبنا خلال السنة الماضية، سبق أن مرّت على هذه الأمة بشكل أو بآخر على مدى القرنين الماضيين. ولعل التقنيات الحديثة التي وظفها الأعداء في عدوانهم الأخير تعطي انطباعاً مضاعفاً وتضخّم أحاسيس الناس بالخسارة. وتتعزز تلك الأحاسيس بسبب إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتحولها إلى إعلام منفلت في خدمة مخططات تآمرية واسعة.

كيف كان واقع الأمة مع نهاية الحرب العالمية الأولى؟ وكيف أصبح واقعها اليوم بعد «طوفان الأقصى»؟

إنها وقائع متماثلة، قد تكون أصغر في أحيان وأكبر في أحيان أخرى، لكنها هي ذاتها بكل تداعياتها وتمظهراتها: السيطرة الأجنبية، فقدان السيادة القومية، غياب الوعي القومي، الاحتلال والاستعمار، المجازر والتطهير العرقي والمذهبي، الحروب الأهلية، التقسيم وتقسيم المقسم، الارتهان للعدو، الخيانة، المثالب الخلقية، تضعضع منظومة القيم المناقبية… إلخ!

كل هذه «الوقائع» عايشها سعاده بدرجات متنوعة، واستطاع عن طريق المنهج القومي الاجتماعي أن يصل إلى الحقيقة، حقيقة الأمة السورية. فهو يعتبر أن الأساس الأولي لمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو إعلان حقيقة الأمة السورية. وتعيين حقيقة الأمة يعني بالتالي تعيين حقوق الأمة. ويخاطب سعاده القوميين الاجتماعيين قائلاً أنتم تمثلون حقيقة الأمة.

إن حقيقة الأمة لا تلغيها الوقائع المذكورة أعلاه. قد يتكرس التقسيم والفرز السكاني مرحلياً، ويوسّع المحتلون مناطق سيطرتهم، ويتم تجاهل إرادة الشعب السوري وتجهيلها. غير أن حقيقة الأمة فرضت ذاتها على الجغرافيا السورية بحيث ظهرت ملامح منها في مخططات أعدائنا التاريخيين من الشمال ومن الجنوب. وليس من باب المصادفة أن يترافق الحديث عن مشروع «إسرائيل الكبرى» مع مواصلة الحرب الصهيونية على امتداد جغرافيا الهلال السوري الخصيب!

حتى الآن لم تنجح «الهدنة» في تثبيت وقف إطلاق النار من الجانب الصهيوني، وبذرائع مختلفة. ونحن نعتقد بوجود غاية خبيثة أبعد بكثير من النتائج العسكرية المؤقتة. فكل التحركات العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية هدفها القضاء على الإرادة القومية، وإرجاعنا إلى مرحلة ما قبل معرفتنا اليقينية بـ«حقيقة الأمة».

من الطبيعي أن يشعر القوميون الاجتماعيون بضغط الأوضاع المؤلمة، وأن يتحسسوا أوجاع شعبنا في كياناته المختلفة. غير أن مسؤوليتنا تجاه هذا الواقع أصبحت أضعافاً مضاعفة لأننا نعرف حقيقة الأمة. وهذه ستكون قاعدة الانطلاق في معركة الوجدان القومي والوعي الاجتماعي ومنظومة القيم المناقبية… وهي معركة لن يكون الانتصار فيها إلا لنا نحن!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *