يعيش العالم بأسره حال تخبط جراء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب زيادة الرسوم الجمركية على العديد من الدول، الحليفة للولايات المتحدة الأميركية وغير الحليفة التي تقيم معها عمليات تجارية متبادلة. وبشكل متسارع نشهد تغيرات متصاعدة في نسب الرسوم الجمركية بشكل يومي إلى حد فتحت تطورات هذا التصعيد حرباً تجارية واسعة النطاق على مستوى العالم حيث يبدو أنها لن تكون في مصلحة أحد.
ونتيجة ذلك بات العالم اليوم مفروزاً بين متجاوب ورافض لهذا الإجراء، وبات يرزح تحت وطأة رسوم جمركية لم يشهدها التاريخ إذ تتراوح بين 10% وأكثر من 100%.
المعركة الأبرز في قرار ترامب رفع الرسوم الجمركية هي بين الولايات المتحدة والصين. ففي حين أصدر ترامب قراراً بفرض رسوم جمركية إضافية على الصين بحيث أصبحت منتجاتها تخضع لضريبة نسبتها 125 %، ردّت الصين مجدداً على ذلك برفع رسومها الجمركية على الواردات الأميركية من 34% إلى 84 % اعتباراً من 10 نيسان/أبريل الجاري. ومعلوم أن الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة تؤثر على نحو 60 شريكاً تجارياً للولايات المتحدة وهي تتراوح بين 11% و50%. ولأن ترامب خصّ الصين بفرض أشد الرسوم الجمركية، يعتبر مراقبون أن ذلك يمهد الطريق لمواجهة بين أكبر اقتصادين في العالم. واعتبر مسؤولون صينيون «أن اختلال التوازن التجاري في السلع بين الصين والولايات المتحدة هو نتيجة حتمية للمشكلات الهيكلية في الاقتصاد الأميركي، ونتيجة للمزايا النسبية وتقسيم العمل الدولي بين البلدين». وكان متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وصف الرسوم الجمركية الأميركية بأنها «نموذج للتحرك أحادي الجانب وسياسات الحماية والتنمر الاقتصادي». وتعهدت بكين بـ«القتال حتى النهاية إذا أصرت الولايات المتحدة على شن حرب تجارية وحرب رسوم جمركية». وأنها، وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية «ستستمر في اتخاذ إجراءات حازمة وقوية لحماية حقها المشروع في التنمية». وأصبحت الصين في 4 نيسان/ أبريل، أول دولة ترد بالمثل على الرسوم الجمركية التي أصدرها ترامب، حيث فرضت تعرفة جمركية بنسبة 34 بالمئة على السلع الأميركية. وفي سياق متصل اعلنت منظمة التجارة العالمية أن التبادل التجاري بين أميركا والصين قد ينخفض بنسبة 80 في المئة.
وكرد فعل على الزيادة المضطردة التي فرضتها أميركا، وضعت الصين 12 كياناً أميركياً إضافياً في قائمة رقابة الصادرات وبذلك أصبحت الصين أول دولة ترد بالمثل على الرسوم الجمركية التي أصدرها ترامب أخيراً. وكانت بكين قد فرضت في شباط/ فبراير رسوماً بنسبة 15 بالمئة على واردات الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، و10 بالمئة على النفط الخام والآلات الزراعية والسيارات ذات المحركات الكبيرة، رداً على أمر تنفيذي أصدره ترامب بفرض تعرفة جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة على الصين. أما في آذار/ مارس الماضي فقد فرضت بكين رسوماً جمركية بنسبة 10 إلى 15 بالمئة على منتجات أميركية بقيمة 21 مليار دولار، بما في ذلك لحم الخنزير والدجاج وفول الصويا ومنتجات زراعية أخرى، رداً على رسوم أميركية إضافية على جميع صادرات الصين.
الدول الأخرى التي دخلت في موضوع قرار الرسوم الجمركية «الترامبية» انقسمت بين فريق ارتضى التفاوض مع الولايات المتحدة لبحث القرار، وفريق رافض له. اليابان كانت من أولى الدول التي أبدت رغبتها في التفاوض. كذلك تتفاوض الحكومة الفيتنامية مع واشنطن في هذا الشأن.
وستشهد الأشهر نيسان/ابريل، وأيار/ مايو، وربما حزيران/ يونيو حركة مفاوضات بين بعض الدول والولايات المتحدة لبحث التراجع عن الرسوم الجمركية الخاصة بهذه الدول.
الجدير ذكره أن قرار ترامب رفع الرسوم الجمركية له تداعيات كبيرة على الداخل الأميركي حسب خبراء أميركيين. فقد ذكروا أن الحرب التجارية ستؤثر على أحوال معيشة معظم الأسر الأميركية من خلال التسبب برفع الأسعار. ومن المؤكد أن ترامب سيفشل في تحقيق ما وعد به لناحية خلق فرص عمل جديدة. وتُعتبر الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب أكبر زيادة ضريبية منذ ما يقرب من 60 عاماً. ويتوقع أحد المعاهد التابع لجامعة Yale University، أن تزيد الأسعار في أميركا بنسبة 2.3% في المدى القريب. وهذا ما يعادل خسارة ما يقرب من 3800 دولار أميركي للأسرة الواحدة. ويخشى مراقبون أن تُعمّق حروب ترامب الأزمة وبالتالي ستتأثر شرائح مجتمعية واسعة من هذه السياسات، بدءاً من المستهلك الأميركي الذي سيلاحظ ارتفاع الأسعار وصولاً إلى الشركات المحلية الأميركية والتي ستعاني بدورها من إجراءات انتقامية قوية في الخارج إضافة إلى ارتفاع التكاليف عليها في الداخل. ونتيجة ذلك، من المرجح أن يواجه العمال الأميركيون ضغوطاً كبيرة لخفض أجورهم بالترافق مع تقليص المزايا التي يتمتعون بها. ويتوقع محللون اقتصاديون ارتفاعاً في مستويات التضخم وانخفاضاً للنمو الاقتصادي واحتمالاً كبيراً بحدوث ركود في الولايات المتحدة هذا العام.
وإزاء هذه الأوضاع المتأزمة بدأ العديد من الشركات العالمية بالتوجه إلى دول أخرى لإنقاذ نفسها من تداعيات رسوم ترامب، مثل شركة «أبل» التي بدأت تتجه إلى الهند. وقد كشفت رئيسة مجلس إدارة شركة «لوكس شير Luxshare»، المورد الصيني لشركة «أبل»، أن الشركة تجري محادثات مع عملائها حول سبل الرد على الرسوم الجمركية الأميركية من خلال نقل المزيد من الإنتاج إلى خارج الصين، بما في ذلك الولايات المتحدة. ومعلوم أن هذه الشركة هي شركة عملاقة تقوم بتجميع هواتف آيفون وتصنيع سماعات إيربودز. وبالإضافة إلى مصانعها في الصين، تمتلك لوكسشير قواعد إنتاج ومراكز أبحاث في ماليزيا وتايلاند، وفيتنام، والولايات المتحدة، والمكسيك. إلا أن إنشاء وتشغيل خط إنتاج جديد في الأماكن التي لديها فيها مصنع بالفعل لن يتم بشكل سريع إذ تحتاج إلى ما بين عام ونصف العام لمثل هكذا مشاريع.
أمام هذا الواقع لا تبدو صورة التجارة العالمية في وضع مريح، بل ستصبح أكثر تعقيداً يوماً بعد يوم، وسيكون المواطن في دول العالم أجمع هو من سيدفع ثمن سياسات ترامب التي أقل ما يقال فيها أنها متهورة.