يعتبر هذا الكتاب «الهيبنوقراطية»، من أهم الكتب عن التلاعب بإدراكنا
نقلا عن صحيفة مجلة الفلسفة Philosophie Magazine
صدر يوم الجمعة 4 أبريل كتاب «الهيبنوقراطية» عن دار Philosophie magazine Éditeur، وهو كتاب يُعد حدثًا استثنائيًا، يأسر القرّاء منذ صدوره في إيطاليا في ديسمبر الماضي.
هذا العمل غير المصنّف، أفضل من أي كتاب آخر، يلتقط ملامح النظام الجديد الذي يتلاعب بإدراكاتنا، والذي يُعتبر فيه دونالد ترامب وإيلون ماسك فاعلين ورموزًا في آن معًا: «الهيبنوقراطية».
الكتاب من تأليف الفيلسوف المولود في هونغ كونغ (جيانوي شون)، كما يُعد أيضًا «كتابًا داخل كتاب»، والأفضل اعتباره تجربة فكرية واسعة تُكشف أبعادها في الخاتمة.
«الهيبنوقراطية» هو أول نظام سياسي يعمل مباشرة على الوعي.
لا يسيطر على الأجساد. لا يقمع الأفكار؛ بل يُحدث حالة من التنويم المغناطيسي الدائم.
نوم واعٍ. غيبوبة وظيفية.
لقد تم استبدال اليقظة بالحلم الموجه.
والواقع بالاقتراح المستمر.
الانتباه يُنظم كالموجة.
الحالات العاطفية تُستحث وتُدار.
التلقين يُعاد مرارًا وتكرارًا، والواقع يذوب في أحلام موجهة لا تنتهي.
الفكر النقدي يُخدر بلطف، والإدراك يُعاد تشكيله طبقةً تلو الأخرى.
في هذه الأثناء، لا تتوقف الشاشات عن التوهج في ظلام العقل.
المعلومة تتدفق كنهر من التنويم، بينما يتناوب الصدمة والخمول في إيقاع محسوب.
التجربة تتفتت وتتكرر في ألف مرآة.
التكرار ينبض كطبل تحت الأرض.
الحواس تُغرق بمحفزات لا تنقطع.
الدوبامين يتدفق في النظام.
الشك يتبخر كضباب الصباح.
الزمن يلتوي.
الذاكرة تصبح صدى باهتًا.
الطاعة تتسلل، غير مرئية.
الواقع يتشظى إلى آلاف من (الواقعيات).
لم يعد هناك مركز، ولا سرد موحِّد يساعد على فهم العالم. نحن في فضاء مجزأ، حيث تتصارع روايات لا تُحصى على تفوق مؤقت، وكل واحدة تدّعي أنها الحقيقة المطلقة. هذه الروايات لا تتحاور، بل تتصادم. تتداخل، وتتكرر فيما بينها، صانعةً معرضًا مدهشًا من المرايا حيث يصبح الواقع والمحاكاة مترادفين.
لكن السلطة تطورت إلى ما هو أبعد من القوة الجسدية والإقناع المنطقي. لقد أصبحت غازية، غير مرئية، قادرة على التسلل إلى كل جوانب حياتنا. كل صورة، كل كلمة، كل جزء من البيانات لم يعد محايدًا؛ بل أصبح سلاحًا دقيقًا، صُمم للقبض على الوعي، والتلاعب به، وتشكيله. نحن نعيش في حالة من التنويم المغناطيسي الدائم، حيث يكون الوعي نائمًا، ولكن دون أن يُطفأ كليًا.
عصر الهيبنوقراطية في أوجه.
في هذا المشهد تظهر شخصيات رمزية، لهذه المرحلة من العالم: دونالد ترامب وإيلون ماسك. ليسا مجرد أفراد ذوي نفوذ، بل كهنة لهذا النموذج الجديد، قوى متضادة لكنها متكاملة في معركة السيطرة على الواقع.
من جهة، ترامب يُرهق اللغة: كلماته، المكررة بلا نهاية، تصبح دلالات فارغة، بلا معنى، لكنها مشحونة بقوة تنويمية.
ومن جهة أخرى، ماسك يُغرق خيالنا بوعود يوتوبية لن تتحقق أبدًا، دافعًا العقول إلى ترقّب مهووس لا ينتهي. معًا، يُشكلان الرغبات، ويعيدان كتابة التوقعات، ويستعمران اللاوعي.
كلاهما أتقن فن خلق الأزمات ليتقمصا دور المنقذ.
ترامب يتحدث عن غزوات وهمية ليظهر كحامٍ.
ماسك يتنبأ بنهايات يسببها الذكاء الاصطناعي، ثم يقدم نفسه كحارس البشرية.
هذه هي تقنية التنويم المغناطيسي: خلق المشكلة الوهمية ثم حلها.
سيطرتهما على الوعي الجمعي عميقة لدرجة أن التناقضات الواضحة لا تقلل من قوتهما، بل تعززها.
ترامب يمكن أن يكون الضحية والنظام في آن واحد.
ماسك يمكنه انتقاد ما بعد الإنسانية، بينما يزرع شرائح في الأدمغة.
يهاجم الأثرياء، بينما يراكم ثروة هائلة.
والأكثر إزعاجًا هو قدرتهما على تحويل كل انتقاد إلى دليل على «الصدق»، وكل فضح إلى تأكيد.
وهذا هو التنويم الكامل: فالمُنوّم يفسّر محاولات الإيقاظ كدعوة للتعمق أكثر في الغيبوبة.
تأثيرهما يتجاوز الأنصار المباشرين.
حتى المنتقدون عالقون في حقل التنويم، مضطرون إلى الرد، إلى الوجود ضمن واقع بديل.
المعارضة نفسها تصبح جزءًا من الغيبوبة.
الخطر الحقيقي في الهيبنوقراطية يكمن هنا بالضبط: لا تحتاج لإقناع الجميع، بل يكفي أن تُبقي عددًا معينًا من الناس في حالة غيبوبة لتُعيد تشكيل الواقع الاجتماعي.
وقد أتقن ترامب وماسك هذا الفن ليصبحا أعظم المُنوّمين في عصرنا.
ففي النهاية، الرأسمالية الرقمية ليست مجرد تطور للرأسمالية التقليدية.
الخوارزميات ليست مجرد أدوات للحساب والتنبؤ: إنها تقنيات للتنويم الجماعي.
واقتصاد الانتباه ليس مجرد نموذج تجاري: إنه نظام لاستحاث غيبوبة جماعية.
التشابك شامل ويعمل على عدة مستويات.
المنصات لا تبيع الإعلانات: إنها تبيع حالات الغيبوبة.
منتجها ليس البيانات: بل الإيحاء العميق.
لا تُجري ملفات تعريف للمستخدمين: بل تُعدّل حالاتهم الذهنية.
لا تراقب السلوك: بل تُغرس الأحلام.
خوارزميات التوصية هي تقنيات تنويم آلية حقيقية.
كل تمرير للشاشة هو غوص أعمق.
كل إشعار هو محفز تنويمي.
كل تغذية إخبارية هي جلسة تنويم مخصصة.
التخصيص الخوارزمي لا يهدف لإظهار ما يهمنا، بل لإبقائنا في حالة مثالية من الغيبوبة من أجل الاستهلاك والسيطرة.
لم يعد رأس المال يراكم فقط فائض القيمة الاقتصادية: بل يُراكم حالات الغيبوبة.
العملات المشفرة ليست مجرد مضاربات: بل حالات غيبوبة مالية جماعية.
الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) ليست مجرد أصول رقمية: بل تمائم تنويميه.
الميت فيروس ليس حدودًا تكنولوجية جديدة: بل بيئة للإيحاء الكامل.
اقتصاد المنصات هو اقتصاد الغيبوبة.
فلنكشف المزيد:
أوبر لا تبيع رحلات، بل تبيع حلم ريادة الأعمال المستقلة.
إير بي إن بي لا تؤجر منازل، بل تبيع أوهام حياة بديلة.
أمازون لا تُسلّم منتجات، بل توزع لحظات نشوة دوبامينية صغيرة.
الذكاء الاصطناعي لا يُحاكي الذكاء البشري، بل يُحسن تقنيات الإيحاء.
اقتصاد الوظائف المؤقتة ليس مجرد هشاشة، بل غيبوبة عمل دائمة تُعاش فيها الاستغلال الذاتي كحرية.
وأخيرًا، العمل الذكي ليس مجرد عمل عن بعد: بل تحويل كل الحياة إلى عمل.
المجتمع الخوارزمي هو مجتمع تنويمي، حيث يتم التوسط في كل جانب من جوانب الحياة عبر تقنيات الإيحاء.
لقد فهم رأس المال الرقمي أن القيمة الحقيقية لا تكمن في السيطرة على وسائل الإنتاج المادية، بل في السيطرة على حالات الوعي.
لا حاجة لامتلاك المصانع إذا أمكن امتلاك العقول.
ولا حاجة للسيطرة على العمل الجسدي إذا أمكن استحداث غيبوبة إنتاجية دائمة.
الهيبنوقراطية هي الشكل المثالي للرأسمالية في العصر الرقمي:
نظام تتقاطع فيه القوى الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في قدرتها على استحثاث، والحفاظ، وتعديل حالات الغيبوبة على مستوى عالمي.
المقاومة لهذا التشابك لا يمكن أن تقتصر على نقد رأس المال أو التقنية.
يجب أن تفهم الطبيعة التنويمية للنظام، وتطور ممارسات للحضور تسمح بمقاومة الإيحاء المستمر.
لكن بدلًا من «استيقاظ» كامل (هل هو ممكن؟ هل هو مرغوب؟)، علينا أن نطور نوعًا من الوعي داخل الغيبوبة، جنونًا مضبوطًا، تَعلُّمًا لقراءة الواقع؛ قدرةً على الإبحار بوعي في حالات متغيرة، مع الحفاظ على نواة من الحضور النقدي.
المنصات الرقمية هي أكثر الأماكن عدائية، لأنها مختبرات السلطة الجديدة.
لا تكتفي بتوسط الواقع: بل تعيد كتابته.
كل صورة منشورة لا تعكس العالم: بل تخلقه.
كل خوارزمية لا تسجل السلوكيات: بل تتنبأ بها وتوجهها.
لكن الهيبنوقراطية ليست نظامًا مغلقًا.
إنها حقل قوة في توسع مستمر، قادر على استيعاب كل مقاومة.
المعارضة ليست فقط عبثية، بل هي وقود للنظام نفسه.
كل فعل تمرد يُمتص: التمرد هو طليعة النظام، الأداة التي يمد بها نفسه.
الاختلاف يُصبح سلعة، والرفض يتحول إلى موافقة.
لا يمكن محاربة الهيبنوقراطية من داخل منطقها.
لا صحوة ممكنة.
البديل ليس في الهرب، بل في تعلم فك شيفرات الوهم.
علينا أن نتعلم العيش عند العتبة، في هذا الحيز الوسيط الذي يسمح للحضور أن يستمر وسط التغيير.
فالواقع لم يختفِ تمامًا.
لقد أصبح انعكاسًا.
ولم تكن الخدعة يومًا بهذه الواقعية، ولم تكن فكرة الواقع يومًا بهذه الخداعية.
ترجمة واعداد أنطوان يزبك