boomerang  عصا النحر

لقد أبدع الإنسان السوري عبر تاريخه الطويل كثيراً من الابتكارات والاختراعات ولكن للأسف عدم الكتابة عنها يؤدي إلى فقدان هُويتها وهُوية من ابتكرها، ومن بين تلك الاختراعات عصاة النحرboomerang  حيث يظنّ كثير من الناس أنّ عصا النحر أو الكيد هي من صنع الأستراليين المشهورين بها، ولكنْ ومن خلال التدقيق والملاحظة في بعض المعثورات والآثار السورية، نلاحظ وجود هذه العصاة منذ أمدٍ بعيدٍ في تاريخنا السوري، وتبدو عصاة النحر مستقاة من شكل المنجل الذي استخدم في حصاد المحصول، وذلك منذ الألف العاشر قبل الميلاد في سوريا على ضفاف نهر الفرات وفي مواقع أخرى، والذي صنع في ذلك العصر من الخشب، وتبدو أشكال المناجل التي كانت تستخدم في حصاد الشعير والحبوب الأخرى خلال الألف الثامن قبل الميلاد، وقد اقتربت أشكال بعضها من عصاة النحر. الشكل رقم1

وخلال الألف الثالثة قبل الميلاد يلاحظ وجود رسم لنجار يصنع أداة زراعية تشبهها، وذلك بوساطة أداة أخرى تدعى القاقمة، وهي بلاطة خشبية صغيرة معقوفة تشبه حيوان القاقم. الشكل رقم2

كما يمكن ملاحظتها أيضاً وقد نحتت على تابوت أحيرام ملك جبيل(بيبلوس)، حيث يحملها بوضوح شخص يتقدم من مائدة الملك وخلفه ستة رجال يلبسون الزيّ الفينيقي. الشكل رقم3. وكذلك يبدو ثالث حرف في الأبجدية الخطية الفينيقية، وهو حرف الجيم (g) مشابهاً تماماً لشكلها. كما استخدمت هذه العصا من قبل الجنود الأشوريين كسلاحٍ فعّال في المعارك التي كانوا يخوضونها. ومن بين الأدلة الأثرية على معرفة واستخدام السوريين لعصا النحر هو تجسيدها نحتاً على شاهدة جنائزية عثر عليها عالم الآثار الفرنسي “أرنست رينان” في صيدا وقد تم تمثيل لصاحب القبر وأدواته، ومنها العصاة المذكورة على تلك الشاهدة. الشكل رقم4.

أمّا الأستراليون فقد قاموا بإعطاء العصا شكل المنحنى الملولب، ولذلك تقوم أثناء إطلاقها برسم منحنيات معقدة، ومن ميزاتها في حال عدم إصابتها للهدف المرجو، تعود لتستقر بين قدمي صاحبها. ومن بين البلدان التي اشتهرت بصناعتها واستخدامها مصر القديمة وبلاد النوبة، كما كان الهنود من بين الشعوب التي استخدمت عصا النحر أيضاً.

إنّ سلاح “عصا النحر” يُعَدّ من أهمّ الأسلحة والمنتجات ذات التقنية العالية التي توصّل إليها الإنسان القديم، وقد حيّرت طريقة استخدامها العلماءَ لفترة طويلة، إلى أن جاء العصر الحديث فتمّ شرح كيفية وآلية تحليقها، فهي ترسم خطوطاً هوائية أثناء التحليق، وذلك نتيجة تفاعل ثلاثة عوامل هي: الرمية الابتدائية، والدوران، ومن ثم مقاومة الهواء لتلك الرمية، ولذا فإنّ الرامي يستطيع بالغريزة اختيار زاوية ميل العصا وقوة الرمية واتجاهها بمهارة للحصول لإصابة هدفه.

لا شكّ أن عصا النحر كانت في يوم من الأيام وعبر تاريخ طويل ذات أهمية كبيرة وذلك لفعاليتها في المعارك، ولا شك أيضاً بأنّ السوري أبدع خصائصها الفيزيائية، وكيفية استعمالها بمنتهى الدقة، وقد قدّمها للأخرين بطريقة أو بأخرى، فنسب ابتكارها لغيره.

المراجع:

  1.  بريلمان، ياكوف، الفيزياء المسلية، ط3، موسكو1977.
  2. كونتو، ج.، الحضارة الفينيقية، تر: محمد عبد الهادي شعيرة، ط3، القاهرة 1948.
  3.  مارغرون، جان كلود، السكان القدماء لبلاد ما بين النهرين وسورية الشمالية، تر: سالم سليمان العيسى، دمشق1999.

د. عبد الوهاب أبو صالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *