في تشريحنا وتحليلنا لأوضاع العالم العربي والأمة السورية، وفي وصولنا إلى هذه المرحلة من تفوق إسرائيل (أميركا) على كل القوى من دول و«شعوب»، بات يترتب علينا تغيير استراتيجياتنا وتكتيكاتنا، وقلب صفحة ما مضى وفتح صفحة جديدة، أو تجديد صفحة في مواجهة عدونا القومي التاريخي «إسرائيل».
بعد هزيمة 1967 التي استطاعت فيها دولة العدو الإسرائيلي القضاء على الجيوش الرسمية في العالم العربي والأمة السورية، وبعد فقدان الأمل من أي عمل عسكري رسمي، نشأ الكفاح المسلح وظهرت المنظمات الفدائية، التي تكللت بمنظمات «التحرير» الفلسطينية التي رسمت آفاقاً وآمالاً جديدة للأمة.
بدورها أيضاً وبعد ثلاثين سنة من الكفاح ومن المقاومة الشعبية المسلحة التي نجحت في تحقيق إنجازات معتبرة، استطاعتا «إسرائيل وأميركا » من احتوائها والقضاء عليها بخديعة سلام (أوسلو) الموهوم، الذي تمخض عنه تأسيس شبه دولة فلسطينية، سرعان ما قضت عليها إسرائيل بطرفة عين وقتلت مؤسسها ورئيسها ياسر عرفات. ثم صفّت بقايا منظمة التحرير من «فتح» وغيرها من المنظمات و «دولة سلطة فلسطينية» باستتباعها وجعلها ملحقات أمنية في خدمتها.
ويبدو الآن العالم العربي والأمة السورية وكأنهما أفرغا نهائيا من عناصر قوة المواجهة، وما بقي منها هنا وهناك من صواريخ اليمن وقوة حماس والجهاد وحزب الله والدعم الإيراني لا يبدو أن له أي فعل أو تأثير في الكيان (الاصطناعي).
وللأمة السورية نصيبها الكبير من هذا العجز بعد (وقبل) نشوء الدولة السورية الجديدة، مما بدا وكأنه لم يعد ممكنا فعل أي شيء سوى القبول بالإذعان والدوس على الكرامة وقص الأشناب…
وإذا كانت إسرائيل في 1967 استطاعت هزيمة الدول فها هي تبدو اليوم وكأنها تستتبعها بهزيمة الشعوب، وهذا بدا واضحا للعيان في حرب الإبادة والقتل الجماعي المنهجي في كل من غزة ولبنان.
هزيمة الجيوش استتبعتها إسرائيل بهزيمة الشعوب.
وتبدو الأمة السورية اليوم وكأنها جُففت من عناصر القوة المادية والروحية، ودون أي تفصيل وشرح للأسباب بتفنيد الأخطاء الفظيعة ابتداء من طوفان الأقصى مرورا بحرب المساندة وصولا إلى التوقيع المتجدد للقرار 1701. بدون أي تفنيد للأخطاء الاستراتيجية الكبيرة التي ارتكبها «محور المقاومة» وفي ظل العودة إلى النظريات القديمة والعقيمة من استراتيجيات «ديبلوماسية السلام» والقرارات الأممية التي أثبت التاريخ بطلانها وعدم جدواها.
دون أية تفصيلات، تبدو إسرائيل وكأنها قضت على روح الأمة ومعنوياتها، وعلى جذوة المقاومة والصراع فيها، إذ باتت تتحكم في كل مدينة، في كل شارع، وفي كل قرية فيها.
إذن ما الحل؟ ما العمل؟ هل تبددت الآمال والأحلام؟ ألا يوجد أفق؟ هل كل شيء انتهى وباتت إسرائيل السيد المطاع؟
الحل والعمل والأفق والأمل نجدها كلها في مقولة أنطون سعاده التاريخية الرائدة: «إن أزمنة من الصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة».
إذن « العودة إلى تحت الأرض» إلى إطلاق عمل وفعل وكفاح العصابات الثورية المسلحة والسرية -(ومنه ما قامت به الأسطورة سناء محيدلي وما فعله البطل حبيب الشرتوني) – التي تضرب وتدك تحت جنح الظلام مصالح الإمبريالية وإسرائيل ولا يعرف أحد أمكنتها ومواقيتها….
كان من البديهي ألا يُطرح ما نطرحه في العلن، لكن من علنيته نتوخى التقاط الفكرة من قبل الأجيال الجديدة، من قوى النهوض الحيّة في الأمة التي يُمكن أن تنبت في كل مكان. وهذا هو العمل الآن.