سوريا وتحديات الصراعات الكبرى

لا يمكن الحديث عن مستقبل العالم العربي، دون الاخذ بالتحولات الكبرى التي جرت في سورياً مؤخراً، واحدثت اهتزازاً شاملاً ليس فقط بالنسبة لمحور الصراع مع اسرائيل. بل على صعيد منطقة الشرق الاوسط كلها. فسوريا ليست حالة عارضة في المنطقة فهي بحكم موقعها التاريخي والجغرافي او ما يسمى الوضع الجيو استراتيجي تعتبر عاملاً مؤسساً لإي نظام اقليمي جديد، وذلك بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الذي يحكمها. فمن دون سوريا يفقد محور الصراع مع اسرائيل الكثير من فعاليته. ولإن الاميركيون والاسرائيليون يدركون هذه الحقيقة جيداً سعوا بكل قوتهم لإخراجها من معادلة الصراع مستتخدمين في ذلك اساليب شتى، كان اكثرها فتكاً محاولة اغراقها في حروب داخلية لاتنتهي، وحصار الاقتصادي خانق عبر ماعرف بقانون قيصر. ومع سقوط النظام السابق احتفل هؤلأ معتقدين انهم وصلوا إلى تحقيق مبتغاهم، ولكن بالتأكيد لن يطول الوقت حتى يكتشفوا إن لا أمن ولا استقرار لاي طرف في المنطقة من دون الاخذ بوضعية سوريا الجيوسياسية. فسوريا كما يقول الكاتب الشهير باترك سيل: «هي مقولة تاريخية أكثر منها جغرافية سياسية». هذا الجمع بين التاريخ والجغرافيا هو الذي يحكم بلاد الشام ليس منذ اليوم، بل منذ ما قبل الزمن التاريخي الجلي.

حالياً تعيش سوريا مرحلة جديدة مازالت غير مستقرة وغيرواضحة المعالم، والتي لايمكن وضعها خارج هذه الحقيقة التي تحدثنا عنا. وكل المؤشرات تدل على أن الوضع هناك قادم على مرحلة محتدمة امنياً وسياسياً، والتي سيسعى خلالها كل الفرقاء الذين تورطوا في المؤامرة الكبرى على هذا البلد إلى التدخل أكثر، وذلك في محاولة لتحسين موقعهم في هذا الصراع. فمن دون كسب اوراق اللعبة في سوريا يبقى حضور كل هولإ غير فعال في النظام الاقليمي الجديد والذي لم تتبين معالمه بعد. واذا كانت الولايات والمتحدة واسرائيل تعتبران نفسهما الرابح الاكبر من ما يجري في سوريا اليوم، والذي باعتقادهما يصب في خدمة مشروعهم بإعادة تشكيل خارطة الشرق الاوسط من جديد وفقاً لمصالحهما الامنية والسياسية والاقتصادية، ويريدان من خلاله رسم صورة جديدة للمنطقة تشبه الصورة التي انتجها اتفاق سايكس بيكو، ولكن هذه المرة من خلال تجزئة المجزاء. فأن السؤال المطروح اليوم هو ينجح هذا المخطط ؟، وماذا عن نتائجه على صعيد المنطقة، وانعكاسه على واضعيه بالدرجة الاولى، ومن الان حتى تتضح معالم المرحلة المقبلة فأن الوضع سوريا سيبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات. فمحورية سوريا تجعل منها محلاً للنزاعات الاقليمية الكبرى، والتي هي مرشحة للامتداد إلى كامل دول المنطقة، في مقدمتها لبنان، وخاصة بعد ان قامت الولايات المتحدة بتجييش حلفائها وتعبئتهم ضد حزب الله والمقاومة، ما يهدد الامور بالانفلات نحو الفوضى في حال خرج الوضع في سوريا عن السيطرة، الامر الذي يعني فشل الولايات في تأمين امن اسرائيل، والتي تحاول  ان تبحث اليوم عن انتصار استراتيجي في سوريا، والتي لم تحصل عليه بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *