ان الخطر الاعظم التي تمر فيه الامة السورية حاليا الى جانب الاحتلالات هو خطر الامراض الاجتماعية المدمرة والفتاكة، التي تمزق وحدة نسيجها الاجتماعي، وتعيق حركة التمدن والارتقاء، في الامة وتردها الى الظلامية الموحشة، والشقاق الحاضر في الامة السورية يقعدها عن التمدن ويعيق حركة العقل مما يعطل فهمنا لذاتنا الكبرى. فالسوريون في الحالة الحاضرة موزعين على كيانات متنافرة ومقيتة، وبداخل هذه الكيانات هم اجزاء عديدة متخاصمة، مما جعل الشعب السوري منقسم على نفسه، وليته انقسام حضاري او فكري ثقافي يراد من هذا الانقسام والتباين المنافسة على سبل سمو الامة السورية وارتقاءها. وهذه الحالة الرديئة التي أصابت الامة السورية مسؤول عنها تجار السياسة والأحزاب الكيانية الطائفية القبلية. وهؤلاء التجار الذين يقودون الفرق المنقسمة جميعهم باعوا أنفسهم الى الاجنبي المستعمر وتماهوا مع ارادة العدو اليهودي المحتل. هؤلاء الساسة قد خرجوا على النظم القيمية والأخلاقية، والاطوار البدائية لمفهوم الاجتماع الانساني والوحدة الانسانية. والمحزن ان جمعا كبيرا من الساسة يتقولون بالديمقراطية والحرية والاستقلال، وهم عمال للأجنبي في بلادنا، وهؤلاء عن أية ديمقراطية واستقلال وحرية يتحدثون، وهل الحرية ان يتبع السياسي واتباعه الارادة الاجنبية، وهل الاستقلال ان يذعن الناس مع زعيمهم لإرادة الدول المحتلة، او الى الدول الاستعمارية الطامعة. هؤلاء التكتلات البشرية المتراكمة تراكم الجماد خالية من الحياة والروح القومية. ما هي هذه المبادئ وماهي العقائد التي تدفعهم الى مرض مراضاة العدو والدول الاستعمارية؟ ولو بحثنا في كل أدبيات شعوب الارض لن نجد ان الحرية والاستقلال تكون تحت ظلال العدو والدول الاستعمارية. وإذا نظرنا الى كل تجارب الشعوب وأديباتهم على مختلف مشاربهم نجد ان من يتماشى مع العدو او الطامع بالبلاد يصنف عن الشعب في خانة الخيانة، ويرذل من مجتمعه. وعندما تكون القضية قضية الحقوق القومية والسيادة، والحرية للشعب من الاحتلالات، تنتفي مفاهيم تدوير الزوايا والدبلوماسية وتبطل عناوين تقاطع المصالح والواقعية السياسية. والبلاء الاكبر ان اغلب الذين يمعنون في تمزيق الامة السورية وتفتيت شعبها يلبسون لبوس الدين والدين براء منهم. لان لا دين يجيز ويحلل التعامل مع العدو. او التعامل مع دول استعمارية طامعة ببلادنا، لا المسيحية تبيح ولا المحمدية تحلل ولا الدرزية توافق. وجميع ما ذكرنا من اديان يتبرؤون ممن يتعامل مع العدو. على رغم هذه التبرئة نجد في بلادنا بعض من يدعي الحرص على الدين والمذهب يبرر للعدو اليهودي اجرامه، وحتى ولو خالف مرجعياته الدينية المتحصن بها. وذلك خدمة للأجنبي ونكاية بدين آخر او جماعة حزبية اخرى. كما نرى ان جميع الاديان في سورية تدعو للمحبة والتراحم وتدعو للاتحاد والتماسك بين جميع ابناء الامة. نرى على ارض الواقع انفصام شخصية حاد في البعض الوافر من ابناء الامة السورية وفجوة كبيرة بين ما يعتقد وما يفعل ويمارس. ونجد البعض منهم سقط الوجدان القومي من قلوبهم سقوطا مهينا، وقد قبلوا التمويل والتدريب لتسهيل اعمال العدو اليهودي ولإضعاف كل قوة في الشعب السوري وذلك لتسهيل الاحتلالات والهيمنة الاستعمارية على بلادنا.
كما ان هذه المجموعات والتكتلات السياسية الجامدة العاملة بهدى الارادة الاجنبية وبالتالي بهدى العدو اليهودي ولو مداورة، ما اكتفت في مد جسور مع هذه الدول بهدف الانتفاع الفردي والاستفادة الشخصانية. بل تجندوا لان يقوموا بواجب الحصة الملقاة عليهم المرسومة في المخططات الاستعمارية واليهودية. فهؤلاء حاربوا ويحاربون كل مبدأ وكل فكرة وكل نشاط يعمل على توحيد الامة السورية، لتكون شخصية واحدة، تدين بدين القومية الاجتماعية الواحدة والمصير الواحد المولدة للوجدان قومي واحد، الهادف الى النهوض بالأمة وصيانة حريتها واستقلالها وسيادتها على نفسها.
هؤلاء المرتزقة تعمدوا شيطنة المقاومة فأصبح المقاوم في نظرهم الذي قاوم المحتل دفاعا عن وجوده وارضه مجرما ومخربا وهو المسؤول عن إجرام العدو وهو المسؤول عن دمار الذي احدثه عدونا، وتعاموا عن العدو اليهودي المحتل لفلسطين وأجزاء من الشام ولبنان. وتعاموا عن المحتل تركي في الشمال. هؤلاء المنافقون والمنتفعون يعملون بالليل والنهار على تسخيف قيمة الفداء العميقة في نفسية شعبنا السوري العظيم. وأصبح بعرفهم الشهيد البطل مضللا وناقصا للإدراك والوعي، ونسأل هؤلاء المتنكرين لوطنيتهم وللشهداء هل الذي حارب العدو دفاعا عن بيته ناقصا للإدراك او مغررا به. وهل الذي يمانع الارادة الاجنبية الطامعة ببلاده ناقصا للإدراك وهل الذي ناصر وساند ابناء شعبه الذين يذبحون بدم بارد، ناقص الإدراك؟
الحقيقة ان المقاومين الشهداء والمقاومين الاحياء هم مثال الادراك الكلي وهم المعرفة والحقيقة الانسانية الجلية الواضحة المعبرة عن واجب التصدي للعدو وواجب حماية حقوق الامة السورية وحماية استقلالها وحريتها. وان عملاء الارادة الاجنبية هم العبيد الأغبياء وهم الذين لا يميزون بين الشرف والعار.
وفي هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها أمتنا السورية ندعو شعبنا السوري ان يرفض الدعاوات الاجنبية والمحلية التي تبعده عن وحدته القومية ، وان يقصي عنه كل محرض يعمل لمصلحة الاجنبي والعدو اليهودي ،وان يحارب كل مضر بمصلحة الامة السورية العليا، وكل من ينتقص من حريتنا واستقلالنا ، وندعو شعبنا السوري ان يتمسك في قوميته وحقوق بلاده بالوجود والحياة العزيزة، وان يعي ان حرية الامة السورية واستقلالها هي قضية قومية يشترك فيها السوريون المسلمون المحمديون والمسيحيون والدروز، والأحزاب وكل القوى الاجتماعية الحي . وندعوهم جميعا لتجمعهم المصلحة القومية الواحدة، وان يكونوا ارادة واحدة لدحر العدو اليهودي، في الجنوب السوري وتحرير البلاد من الاحتلال التركي في الشمال السوري، ووضع حدا للتدخل الاجنبي في قضيتنا القومية الواحدة. وان يكافحوا للنهوض بالأمة السورية لتأسيس دولة قومية قوية وعادلة معبرة عن ارادة كل ابنائها.