أحد التشييع، أحد القيامة

 يوم الأحد، يوم التشييع للسيد حسن نصر الله، لن يكون كسواه في روزنامة الأيام الاَتية. ولن يكون عبوراً مجّانياً في الزمن. سيبقى إشعاعاً آخر في ذاكرة التاريخ الكربلائية المتواصلة في البلاء والرجاء والعلاء. بلى، وستبقى للمعنيين بها، على تنوّع المشارب والمذاهب والمحازب، ذكرى تنطوي على غير عبرة من تلك التي لا يقوى على محوها، لا هولُ المحن ولا طول الزمن.

انّ تاريخيّة هذا اليوم ليست تأتيه من كثافة الحاضرين، فقط، ولا من عديد المتابعين من بعيد، أحبّاءً وخصوماً وإعداء، بل هو تاريخيّ لكثيف دلالاته ولغزير معانيه. فإلى التأكيد على الوفاء لمن تجسّد فيهم الوفاء للحقّ إلى حد الفداء، انّه تذخيرٌ للذاكرة بان من يقضي شهيداً في مقاومة الباطل بكلّ وجوهه فإنما يضيف إلى الشهادة للحقّ رصيداً جديداً من العزّة، لا لبني جيله وحسب، بل لأجيال لم تُولَد بعد.

وكما أسس استشهاد الحسين، لألف وثلاثمائة وخمسة وأربعين عاماً خلت، مدرسة لمقارعة الباطل ومقاومة الطاغوت، وكما كان استشهاد الناصريّ قبله بأجيال، في السبيل عينه، أساساً، لا لحياد موهوم، بل لجهاد معلوم للحقّ الذي هو الله، كما كان كل ذلك منطلقا لجوهر المناسبة اليوم، فانّ الذين تحرروا بمعرفة الحق يتطلّعون إلى احد التشييع مقدّمةً لموعدٍ مع احد القيامة، قيامة الأمة من قبر التاريخ إلى الحياة بعزّة وكرامة.

ولئن كان هذا الحضور المهيب تشييعاً لمن سقط منهم الجسد فانّه، في معناه الاسمى، استحضار لأرواحهم من خلف الحجب سلاحاً نتزخر به لمواجهة التحدّيات القائمة والاَتية.

ولئن خطر لسائل، بطيب نيّةٍ أو بسوء نيّة أن يسال عمّا يجمع بين مجاهدين على قاعدة فصل الدين عن الدولة مع مجاهدين منطلقين من الدين فالجواب اليقين قُصاراه” حين يلتقي على طريق الحياة مؤمنون بهيهات منّا الذّلة  مع مؤمنين بِـ« أنّ الحياة كلّها وقفة عز فقط »، حينها، يحلو اللقاء ويتألق الإيمان رفقةَ دربٍ باتّجاه النهوض بالحياة على قاعدة أنّ المقاومة عند الأحرار قدرٌ وخيار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *