لم يحن موعد الرئاسة بعد..

لم يحن موعد الرئاسة بعد..

هو الانتظار. مرحلة اعتاد عليها اللبنانيون، تأتي عادةً بين عهدين رئاسيين، عهد ولّى وعهد لم ترتسم معالمه بعد. في مرحلة الانتظار الطويل مسار من المحطّات، أوّله محطة تمرير الوقت، وثانيه محطة حرق الأسماء، وثالثه محطة بلورة التسوية على الاسم المُراد له الهبوط في القصر الجمهوري.
بعد مغادرة الرئيس ميشال عون لقصر بعبدا، دخلت البلاد مرحلة الارتياب، فانتظرت القوى السياسية إشارات غربية لتقدير الموقف ولم تأتِ. إشارات عادةً ما يبني الداخل سلوكه حولها، فإن التمس تسوية إقليمية نادى الجميع بالحوار والتهدئة، وإن التمس تصعيدًا ذهبوا جميعًا نحو المواجهة. عدم إعارة الخارج للبنان أي أهمية حالية، وعدم وضع ملفه ضمن سلّم أولويات المجتمع الدولي، إضافة للخلاف في وجهات النظر بين السفراء الغربيين في بيروت، دفع بالجميع إلى الارتباك.
البعض رشّح النائب ميشال معوّض، والبعض رشّح أسماء أخرى في مواجهته، فيما ارتأت حكمة الآخرين أن تبقى الورقة البيضاء حاضرة ريثما تنضج التسوية. قد يكون راسم سيناريو الورقة البيضاء هو الأصدق مع نفسه ومع الناس، فيما لا شك أن راسم سيناريو حرق الأسماء واحدًا تلو الآخر هو الأذكى لجهة صناعة الصورة، فيظهر للجميع بثوب الساعي إلى ملء الفراغ، في وقت كل اسم يخرج فيه هو فراغ بحد ذاته.
حسنًا، لن يكون لهؤلاء أي شأنٍ في رسم معالم الحل، وتحديد رزمة النقاط التي تُعقد على أساسها تسوية الإتيان برئيس جديد، فيقرّ أكثر من دبلوماسي متابع للشأن اللبناني بتفاصيله، أن الحلول في الحقبة الجديدة ستولد من رحم اتفاق الغاز، أي باتفاق غير مباشر بين الولايات المتحدة الأميركية وحزب الله. يعتقد هؤلاء أن ما من مقاربة لأي ملف لبناني كانت ستحصل في السنوات العشرين الماضية والعشرين اللاحقة لولا وجود حزب الله وسلاحه في البلد، فحين تم تمويل فريق الرابع عشر من آذار واعلامه ومؤسساته الرديفة، وعندما أعادوا المحاولة بوتيرة أضعف في 17 تشرين كان هدفهم تطويق الحزب، وعندما وافقوا على شروطه لاحقًا كان هدفهم دفع شرّه عنهم وتأمين مصلحة أوروبا والكيان الغاصب على السواء. اليوم يجزم هؤلاء، أن التسوية لن تكون سوى لصالح الحزب، لأن ما تريده الولايات المتحدة هو فقط الاستقرار، والاستقرار يحدده القوي في لبنان!
وبعيدًا عن السقف الأعلى للتسوية، والذي لا بدّ لمختلف المؤثرين الإقليميين الإلتزام به، هناك شروط دون هذا السقف، تدخل في رسم تفاصيل المشهد. فبعد تلقّي أكثر من طرف لبناني لإشارات خليجية تفيد بأن السير بقائد الجيش العماد جوزيف عون للرئاسة هو مطلب أميركي، تراجع الاندفاع الخليجي نحوه، بعد وضوح الرغبة الأميركية بإبقائه في اليرزة، كون الإستقرار يتمثّل بالحفاظ على من ساهم بتأمينه في أحلك الظروف، وإن وصول عون إلى بعبدا سيفقده بالطبع سلطته على المؤسسة العسكرية التي أحسن إدارتها طوال فترة قيادته لها. وللمفارقة، يتشارك حزب الله مع الجانب الأميركي النظرة هنا، كل من منطلقه، أنّ العماد جوزيف عون حاجة ولكن غير رئاسية.
الجانب السعودي بدوره لم يدخل في معركة الأسماء، ولكنّه بالطبع يفضّل التسوية على المواجهة، هو الذي يسعى لإعادة تطبيع علاقاته مع مختلف خصومه السابقين في المنطقة، فبعد التقارب الكبير مع الصين وروسيا تشير المعلومات أن الإمارات تلعب دورًا كبيرًا في الوساطة بين القيادتين السورية والسعودية، لإعادة تطبيع العلاقات السياسية والإقتصادية. وعليه لن يكون لبنان خارج حسابات التواصل السعودي مع الشام. وقد يكون مضحكًا، ولكنّه واقعًا، أن الشرط السعودي الوحيد حاليًا على أي مرشح يسعى لنيل غطاء سعودي في معركته للوصول إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية هو تعهّد بعدم تسمية سعد الحريري بأي شكل من الأشكال لرئاسة الحكومة اللبنانية طوال العهد الجديد!
أمّا الجانب الفرنسي، الذي يسعى من انفجار 4 آب إلى إعادة الدخول إلى لبنان كمقدّمة لاشتراكه بادإعادة الإعمار في الشام، فإنّه ينسج حلولًا ومبادرات تشبه مبادرة تسمية مصطفى أديب لتشكيل الحكومة، والتي أحبطتها المساعي الأميركية في بيروت. ولكن ما قد يشفي غليل الجانب الفرنسي من تسوية الرئاسة، هو ضمان مصالح توتال في الاستخراج والتسييل والتصدير، وهو ما قد لا يحسن ضمانه الرئيس المقبل وحده، ومن هنا خرجت فكرة التسوية المزدوجة في الإتفاق على رئيسي ما بعد الفراغ، رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة.
ولحين نضوج تسوية الإقليم، معركة الحرق مستمرة ريثما يصل الجميع إلى محطة البلورة، وحينها قد يكون اسم سليمان فرنجية هو نقطة التقاء بين حزب الله وحلفائه من جهة، والرغبة السعودية الأميركية في الدفع نحو الاستقرار من جهة ثانية، فتكون عملية تثبيت النظام قد بدأت انطلاقًا من الرئاسة لا انتهاء فيها.