ليس صحيحاً أن الحدث تحكمه العشوائية.

   وتأخرنا حتى اكتشفنا مأزقنا في التعامل مع الحدث، أن للحدث خارطة تماما كما الشيفرة الوراثية، وأن منطقاً يحكم حياته وولادته ونشوئه وصيرورته وتغيراته وشكله، وانتظامه، ومداه، وقوته. وأن لا عشوائية البتة في حياة الحدث.

   هل يولد الحدث أم ينشأ؟ نشوء أم ولادة؟ الفرق كبير جداً. الولادة هي لحظة الخروج إلى العلن، أما النشوء فهي سيرورة النمو بانتظار اكتمال شروط الولادة. المهم أنه لا ولادة بلا نشوء، وما يجري خارج العلن هو الشرط اللازم لفهم كل أسرار الحدث. وكما أن للحدث عناصر نشوء، أيضاً هناك عناصر تطور. الحدث ابن نظام system متحرك.

   هل تأخرنا حتى أدركنا أنه ليس لغزاً مغلقاً، وأن للحدث سياق context، تماماً كما للكلمة في اللغة سياق، فاذا لم نفهم هذا السياق ونفكك عناصره وتفاعلات مكوناته فلن نفهم المعنى. الحدث يولد باللقاح ثم ينمو، يكتمل ويخرج إلى العلن. لذلك ففهم العوامل الداخلة في الحدث أساس، وبين الحدث والحدث خارطة ترابط. لا شيء عشوائي في علاقات الحدث بالحدث. كله متشابك مترابط. ليست العشوائية في الحدث، بل في قصور الذهن عن الاحاطة بالمنطق الذي يحكم الحدث. 

   افترق الفكر الديني عن الفكر الدنيوي جذريا في مقاربة الحدث. في الديني ينزل الحدث من أعلى من ارادة خارجية، أما في الدنيوي فعملية معقدة تحكمها عناصر متفاعلة يمكن رصدها والتحكم فيها.

    للحدث دينامية وسرعة ومسار وتسارع تحكمها عدة عوامل. ما الذي يسرّع أو يؤخّر تسارع الحدث؟ أسئلة كبرى يجب ولوجها أيضاً. كيف نفسر التباطؤ أحيانا، والتسارع أحيانا أخرى؟

   للحدث أبعاد في المكان من العالمي والإقليمي والقومي وما دون القومي. أيضا في الحدث شيء من التاريخ الجغرافيا والاقتصاد والأمن والروحي النفسي، وكثيراً من المصالح.

   ان النظرة القومية إلى الحدث، قد أكملت وضع إطارها النظري وملامحها الواضحة لتفسير جملة الأحداث في العالم والمنطق الذي يحكمها. للتاريخ منطقه وفلسفته لكننا قصرنا عن الاحاطة بها وهذا مأخذ يسجل علينا كتلامذة.

   أيضاً سؤال أهلية التعامل مع الحدث ليست شأناً عاماً، فالأهلية مستويات، والجماهير ليست مؤهلة لهذا العمل، بسبب طغيان عاطفتها ووجدانها والتي تشكل عائقاً كبيراً، وأحياناً نجد أنها تخبط خبطاً كما وصف سعادة تعاملها مع الفلسفة.

   والثابت أن النظر إلى الحدث مدارس ومذاهب تختلف من حيث زاوية النظر وشمولية العناصر وطبيعة المنهج. لذلك نحن لا نفهم الحدث كالماركسية والمذاهب الدينية والقوميات الأخرى. من هنا فرادتنا. فالنظرة القومية أرست شمولية العناصر وحقيقة الأمم، ودور المصالح والارادات وعلاقات التفاعل. فالإنسان أمم، والجغرافيا جغرافيات، والمصالح والارادات تحكم كل هذه العملية المعقدة. القومية الاجتماعية أرست اضافاتها الفكرية، ومهمتنا إعادة قراءة الحدث بعيوننا الاصيلة المستقلة. 

   هل نستطيع التحكم في مسار الحدث؟ ما هي علاقة الارادات القومية في صناعة الحدث؟ ما الذي جعل الحدث تحولاً؟ كلها اسئلة تستوجب المقاربة والاسهام الفكري.

  اليوم أمام هذا المشهد، ومع حالة البلبلة والتشويش والإحباط النفسي الحاصلة، نجتمع بدعوة من عمدة الثقافة للانكباب على اعادة قراءة أولية للحدث وإعادة دراسة البدائل الممكنة وإعادة تموضع فكري.

إذا كان الحزب فكر وحركة، فعلى الفكر مسؤولياته في التعامل مع هذا الحدث وعلى الحركة مسؤولياتها أيضا. وهذا يرتب على كل منها الاضطلاع بالمطلوب منه. الدعوة عامة والمسؤولية عامة والتحديات كبيرة.

في الواقع. تأخرنا في دراسة فكر سعادة وهذه دعوتي بالمناسبة لمقاربة علم الحدث القومي وفلسفة الحدث القومي.
                                                               
*ألقيت هذه الكلمة في محاضرة عمدة الثقافة “سوريه والأحداث المتسارعة.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *