الزلزال السوري لا تزال ارتداداته صاعقة وقد بدأت بسقوط النظام الأسدي / البعثي من بوابة دمشق، حفظ الله بواباتها السبع وكواكبها التي طالما حمتها، وهي التي كرسها التاريخ محوراً بحد ذاته، لمنطقتنا. المدينة التي بتجاوز عمرها الستة الاف عام، ومنها انطلق عبق التاريخ والابجدية الاوغاريتية وعظمة الحضارات ومنها المسيحية التي انتشرت من أقبية حاراتها ورسلها إلى العالم، والتي لا تزال بعض مدنها تتكلم لغة المسيح الآرامية (صيدنايا ومعلولا)، فيما الإسلام عرف من دمشق عتبة الانطلاق إلى العالم اجمع.
زلزال النظام أعقبه «اجتياح إسرائيلي» حقيقي، خرق خطوط الهدنة القائمة منذ عام 74، وسط صمت عالمي ودولي مريب. وذلك في كنف ضجيج التهليل والترحيب، تقدم جيش العدو الإسرائيلي في الجولان متخطياً حدوده الزرقاء المحتلة، إلى قمم جبل الشيخ التي كانت تحت السلطة «السورية»، واهميتها انها تشرف على كيانات امتنا مجتمعة من فلسطين والأردن إلى لبنان وعمق الشام.
فيما كان طيرانها الحربي يغيّر على كل المواقع العسكرية ويدمر مقدرات الجيش السوري بأكملها، من مراكز الأبحاث والمطارات إلى قواعد الصواريخ وترسانة سلاحها ودباباتها وطائراتها وصواريخ سكود 300 وقدراتها البحرية جبلاً وساحلاً.
وكانت التغطية تتم من خلال كشف واقع السجون والمعتقلين وسلوك الطغاة مع مساجين مرت عليهم عقود، وكانت البروباغندا من الاعلام العبري /العربي، تغسل العقول من خلال ابراز مظالم ارتكابات حصلت، وأيضا بمبالغات هوليوودية بقصد مزدوج، التركيز على ما يدعى جرائم حرب اسوة بآخرين، وناسين سجون فلسطين وعذاباتها عدا سجون عربية لأنظمة ما زالت قائمة عدا سجن أبو غريب وفضائحه. هي سياسة اعماء البصيرة، فيما فرحة التحرر من عبودية المخابرات وممارساتها يطغى كل شيء اخر.
سياسة التدمير الممنهجة لم تتوقف بعد لمقدرات الجمهورية السورية وشعبنا السوري وهي مستمرة دون توقف، وصولاً إلى طرطوس حيث يروي الناس ان الهزات تشبه هزة بثلاث درجات على مقياس «ريختر».
ذهبت هباء كل سياسة شد الحزام من اجل التسلح والمواجهة التي رفعها النظام منذ زمن حافظ الأسد الأب، وانتهت قدرات جيش استطاع ان يواجه دولة العدو اليهودي في حروبها على المنطقة وان يكون سدا منيعاً في وجه اتفاقيات السلام «المزعوم» منذ كامب ديفيد إلى وادي عربة واوسلو. وظل يعلن الممانعة وعدم التطبيع اوأي حلول لا تلحظ حق فلسطين المغتصبة واراضينا المحتلة، و تحت هذه العناوين كانت سياسة تسليح سوريا وتعزيز قدراتها القتالية وكنا يوما معها .
هذه السياسة الاستراتيجية، لم تترافق مع خطط تقيم وزنا لتداول السلطة وحرية الرأي، وهما امران اساسيان لكنهما كان ممنوعان من الصرف.
هزيمة النظام رافقها هزيمة استراتيجية كبرى، خسرت الشام موقعها المشرف على الامة من عل وانحنى قاسيون من على شموخه.
خسارة الجولان وجبل الشيخ، مضاعفة لأنها ايضاً منبع ينابيع الماء في المنطقة بأكملها، وإذا كان شرقي «سوريا» خاضعاً لنفوذ تركيا وهيمنتها على منابع الماء في الفرات فقد جاءت دولة العدو الإسرائيلي، لنحاصر المياه ايضاً من جبل الشيخ وتذكرنا باللواء المسلوب في كيليكيا واسكندون وتأثر سدود الامة وانهارها.
نحن امام واقع جديد تمليه التطورات الاستراتيجية والسياسية، وإزاء الاعتراض «الهامس» للدول العربية على ما ارتكبته دولة نتنياهو المدعومة من الأميركي والاطلسي، كان مؤتمر العقبة التي تجرأت الأردن على الدعوة له وكان خلاصة ما انتهى اليه «انه لا حل وسط امام السوريين اما الأمان أو الفوضى»
وهو شعار يجب ان تأخذ به الحكومة الانتقالية في دمشق أو تبقى مستندة إلى مشاريع الخارج ومصالحه، وهنا الخطر من «فدرلة » المنطقة بأكملها، وما يرافقها من مآسي، أو تأخذ بيد كل القوى الحية وكل مكونات الشعب، وتنتقل إلى تشكيل سلطة سياسية جديدة لتبني بناء دولة مدينة تحفظ أبناء المجتمع كافة في بوتقة ونسيج واحد يراعي الجميع في وطن واحد.
الهزات الارتدادية للزلزال سرعان ما ظهرت في لبنان ايضاً والعلاقة بين الكيانين تفاعلية وعدا أصوات المهللين، وانشغال المراهنين دوماً على خسارة فريق في الوطن، دون اخر، برزت المشاركة ببروباغندا السجون، واللعب على عواطف المعتقلين في السجون السورية ناسين ارتكاباهم هم أنفسهم، في ممارسات ميليشوية من خطف وتصفيات واعدامات معروفة
وبرزت أيضا محاولات للتبرؤ من اية علاقة مع النظام «السوري » بنزع أية إشارة تسميات تخصه، فأن حرصهم على الوطن، لم يظهر في رفض مسميات الشوارع بأسماء المحتلين الفرنسيين، ولا تزال من الجنرال «كليمنصو» إلى «اللنبني » وآخرين، لكنها الكيدية التي تعوّد عليها البعض، وهذه لا تبني وطناً، بل أحقاداً مدمرة.
الارتداد الزلزالي الآخر، أن النظام الأمني الاستخباراتي الذي انهزم، ترك في ذاكرة القوميين الاجتماعيين صوراً بشعة والحكايات كثيرة عن حصار وقمع، وقد يكون بعضاً منها استكمل في عهد النظام الأسدي البعثي، الامينة الأولى جولييت المير سعادة وقمع سجن المزة، التي لم تخرج منه الا وهي مصابة بالسرطان.
ومن هذه الارتدادات التي طالت الحزب القومي ويجب ان تعلن، ما فعله الجهاز الأمني الاستخباراتي بتورط مباشر في اغتيال أحد قادة المقاومة الوطنية ومؤسسها المهندس محمد سليم.
تبقى غزة وفلسطين، وبدل أن تكون في واجهة الصورة، هي في خلفيتها، وعدونا الوجودي مستمر بالإبادة المشهودة أمام العالم كله، فيما أحرار وشرفاء هذه اللامة ما تركوها، فهل سيفعل «الجولاني/الشرع » وحكومته الانتقالية أية خطوة مساندة تؤكد حقوق شعب يقاوم ويباد وإلا على فلسطين السلام؟؟