إيقاف عمل الأونروا تعسف يضاف للفلسطينيين

لم يستهدف الكيان الصهيوني في الحرب على قطاع غزة أصحاب الأرض فحسب، بل لم تستثن أيضاً المنظمات الدولية التي توفر التعليم والمساعدات لمن تسميهم «لاجئين» فلسطينيين.

لقد أسفرت الحرب في غزة عن تجاهل صارخ لمهمة الأمم المتحدة، بما يشمل الهجمات الشنيعة على موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين- الأونروا، وعلى مرافقها وعملياتها.

يمثل عمل الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في الأراضي الفلسطينية المحتلة إحدى ركائز المساعدات للفلسطينيين. وقد أصيب هذا العمل في الصميم حين أعلنت وزارة خارجية العدو الصهيوني في تشرين الثاني الماضي بأنها ألغت الاتفاقية المبرمة مع هذه الوكالة وأنها أبلغت الأمم المتحدة رسمياً بذلك. 

الحجة لهذا القرار المتخذ من العدو هي اتهام الأونروا بأن «موظفيها شاركوا في الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على مستوطنات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023» وفق بيان وزير خارجية العدو يسرائيل كاتس. وسيدخل القرار هذا حيز التنفيذ خلال 3 أشهر. ولو قيض لهذا القرار أن يطبق، من المرجح أن يتسبب في انهيار العملية الإنسانية الدولية في قطاع غزة التي تشكل الأونروا عمودها الفقري. ويجمع العارفون بأن نتائج كارثية غير مسبوقة سيتعرض لها عمل الأونروا وما يتعرض له الفلسطينيون نتيجة إلغاء هذه الاتفاقية.

ورغم عدم تبلغ الأونروا رسمياً بقرار إلغاء الاتفاقية، إلا أن «إسرائيل» بدأت تطبيق القرار بشأن حظر عمل الأونروا في المناطق التي تقع تحت احتلالها.

وتعود الاتفاقية الموقعة بين الكيان الصهيوني والأونروا إلى عام 1967، وسمحت للوكالة الأممية بالعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتقديم خدمات مختلفة للفلسطينيين بهذه الأماكن، ومن بينها التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإغاثية.

ولا تتوقف خطورة القرار الإسرائيلي عند منع وصول المساعدات الإغاثية المبقية لحياة ملايين الفلسطينيين فقط، بل تمتد إلى تحطم المنظومة التعليمية والصحية التي تتكفل بها الأونروا لصالح هؤلاء الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، وكذلك البلدان المجاورة.

الأونروا هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي المنظمة الإنسانية الرئيسية التي توفر التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والإغاثة الطارئة للأشخاص الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين بالأراضي الفلسطينية، والأردن، وسوريا، ولبنان.

فقد تأسست من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 بعد نكبة عام 1948 لحماية ومساعدة الفلسطينيين الذين هجروا على أساس عرقي من منازلهم. وباشرت المنظمة عملها في الأول من أيار عام 1950، ومنذ ذلك الحين ساعدت أجيالاً من اللاجئين، لا يزال الكثير منهم يعيشون في المخيمات.

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها الأونروا لضغوط من السلطات «الإسرائيلية» المحتلة، ففي كانون الثاني الماضي، اتهمت تل أبيب موظفي الأمم المتحدة بالمشاركة في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأدى ذلك إلى خفض العديد من البلدان التمويل الذي تقدمه للأونروا، بما في ذلك أستراليا والنمسا وبريطانيا وكندا وإستونيا وفنلندا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا ورومانيا وسويسرا والولايات المتحدة.

الجدير ذكره أن ما يقرب من 6 ملايين فلسطيني اعتمد على دعم الأونروا في السنوات الـ 70 الماضية. ووفقاً لموقع الأونروا على الإنترنت «في عام 2021، تم تسجيل ما يقرب من 545000 طفل في مدارس الأونروا للعام الدراسي (2021-2022)، ووصلت مساعدات برنامج شبكة الأمان الاجتماعي إلى 398044 مستفيد، وتلقى 1.7 مليون شخص مساعدة إنسانية منقذة للحياة».

وبصرف النظر عن الإغاثة الطارئة والمساعدات على مدار العام التي يحتاجها السكان الفقراء للبقاء على قيد الحياة، تقدم الأونروا الرعاية الصحية الأولية ودعم الصحة العقلية. وتشمل خدماتها أيضا المدارس التي كان يدرس فيها أكثر من نصف مليون طفل، قبل أن تشن «إسرائيل» حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتحاول الأونروا أيضاً توفير فرص العمل وبرامج التمويل الأصغر والدعم للفلسطينيين الذين يرغبون في تطوير مبادرات مدرة للدخل.

تتم معظم عمليات الأونروا داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لكنها لا تبني أو تملك أو تدير أي مخيمات، وتوفر الخدمات الإنسانية داخل المخيمات وخارجها، لأي فلسطيني محتاج.

في موضوع الرعاية الصحية التي تشرف عليها الأونروا، نشير إلى أن عيادات الأونروا تستقبل حوالي 8.5 ملايين مريض سنوياً من خلال 144 مركز للرعاية الصحية، كما يعمل فيها أكثر من 3300 موظف رعاية صحية، مما يجعلها جهة عمل مهمة في القطاع الصحي الفلسطيني.

أما على صعيد الخدمات الاجتماعية الأخرى التي تقدمها الأونروا، نذكر أنها تتراوح بين برامج مساعدة النساء على دخول سوق العمل، إلى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة. وتدير الوكالة العديد من برامج التدريب على المهارات المهنية. وكذلك تقدم برامج تدريب النساء على الحرف التقليدية والخياطة والحياكة والتطريز، إلى جانب خدمات مراكز إعادة التأهيل البدني للفلسطينيين المصابين أو الفلسطينيين الذين يعانون من إعاقة.

هذا على صعيد الضرر اللاحق بالفلسطينيين جراء توقف عمل الأونروا. أما الأونروا نفسها فقد تكبدت أضراراً جسيمة جراء الحرب على قطاع غزة. حتى حزيران 2024 تحققت وكالة الأونروا من مقتل ما لا يقل عن 193 من موظفيها في غزة. وكذلك تعرض ما يقرب من 190 مبنى للأونروا للأضرار أو للتدمير. كما تعرضت مدارس الوكالة للهدم، وقُتل ما لا يقل عن 500 نازح أثناء إيوائهم في مدارس الأونروا وغيرها من المباني. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، قامت قوات الاحتلال باعتقال موظفي الأونروا في غزة.

قبل الحرب، أعلنت الأونروا أن مدارسها، البالغ عددها 288 مدرسة، كانت تستقبل 300 ألف طالب في غزة، أي ما يقرب من نصف الأطفال في سن الدراسة في القطاع، وكانت عياداتها الطبية البالغ عددها 22 عيادة تستقبل 2.6 مليون مريض سنوياً. كما تلعب الأونروا دوراً حاسماً في أجزاء من الضفة الغربية، حيث تخدم 900 ألف فلسطيني هناك.

أمام هذا الواقع يعتبر مسؤولو الأونروا أن القرار «الاسرائيلي» هو بمثابة تصريح لتجاهل الأمم المتحدة ويفتح الباب أمام الإفلات من العقاب وانتشار الفوضى. وإذا تسامحنا مع مثل هذه الهجمات في السياق الخاص ب «إسرائيل» والأرض الفلسطينية المحتلة، فلن نتمكن من التمسك بالمبادئ الإنسانية في نزاعات أخرى حول العالم. إن هذا الاعتداء على الأمم المتحدة سيزيد من إضعاف أدواتنا للسلام ومن قدرتنا على الدفاع ضد الأعمال اللاإنسانية في جميع أنحاء العالم. ويجب ألا يصبح هو المعيار الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *