«حالة عشق» الفيلم التوثيقي الذي أعدته كارول منصور ومنى الخالدي عن غزة، يختصر معاناة الغزاويين منذ أكثر من اربعمئة يوم، فيما العالم اجمع يتفرج. هو تأريخ ارتكابات العدو والابادة الجارية في غزة، على لسان الوقائع، التي تظهرها الصور والافلام الواردة من داخل ارض المقتلة.
في الفيلم عن الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي تصر لندن على اعتباره بريطانياً ايضاً، لحملة جنسيتها، يروي تجربته الذاتية من خلال تطوعه وبقائه نحو شهرين في غزة، يداوي ويعالج ويقوم بالجراحات اللازمة اسوة بالأطباء الاخرين، في موطنه وموطن زوجته وارض ذكريات أولاده، فيقول، لم أقم بعمليات بحياتي بعمليات جراحية، بقدر ما قمت به في غزة، يوميا، ومعظمها لأطفال ودون تخدير «ويضيف بأسى» عندما غادرت لم يكن أحد ممن اعرفهم حياً بعد. «كلهم كانوا قد ماتوا».
فماذا عن اليوم والحرب مستمرة وبعد مضي هذا القدر من القتل والتدمير؟
الفيلم حكاية أبو ستة وعائلته كواحدة من عائلات فلسطين التي بدأت معاناتها منذ عام 1948 يوم هجرت الى غزة وحيث استقرت هناك، تقول زوجته بما انه بات لهم بيت وحياه واهل تعود إليهم كلما استفحل الشوق وكل صيف، لكن بعد حرب غزة، ذهب البيت وأهله، ومن بقي حياً، بقي حتى يستكمل تدوين النهاية للحكاية، التي يريدها العدو نهاية امة.
لا يمكنك وانت تشاهد هذا الفيلم، إلا ان تشيح بنظرك ومرات عديدة عن مشاهد الجراح واستشعار الوجع وصراخ لأطفال وأنين الأمهات ودموع الرجال والاباء الذين يبادون.
لا زالت حكايات الدمار تتوالى، الينا، عن المستشفيات التي تدمر تباعاً واخرها مستشفى كمال عدوان، ومن ثم اعتقال الطاقم الطبي، والدكتور حسام أبو صفية مثلاً.
كما تتوالى اخر اخبار غزة، ان الصقيع يقتل الأطفال وبعضا من الطاقم الطبي (د. احمد الزهارنة، الطبيب في مستشفى الصليب الأحمر الميداني، في جنوب غزة)
تخبر زوجة د. أبو ستة، أشهر طبيب مختص بتجميل الشفة العليا. عن معاناتها مع القلق عليه في غزة وخارجها بعدما بات علما يدل عليه بالبنان، اما عن قلقها على أهلها إذا كانوا سيبقون احياء، بعدما فقدت عددا منهم. كما عن بيتها وشجر الزيتون المعمر وكيف دمر بأكمله، لكنه باق في قلبها، وصور تلك الأمكنة ما تزال أيضا، وتتعهد بالقول، سنعيد البناء والزرع من جديد.
«ليس بوسعي أن أمحو من عيني كل ما رأيت، ولا من اذني الصراخ والعويل الذي سمعت، ولا من انفي الروائح المنبعثة من الجراح المتقيحة» هذه كلمات أبو ستة بعد أشهر على مغادرته غزة، الى منابر العالم ليكون سفيراً لجراحها لآلامها ووجع اطفالها واطبائها ومستشفياتها، وصوتاً بصرخ للعالم عن إبادة أكبر تحصل وهولوكوست حقيقية تجري ولا من يردع .
عشقه لفلسطين يقاطع كلماته مراراً بدموعه، ويحمل وعداً انه سيعود الى رفح ويعود الناس يبنون من جديد، هي إرادة شعب هو شغف لا يزول بفلسطين.