منذ أمد طويل ونحن متهمون من قبل حفنة لاعبين سياسيين في الكيانين اللبناني والشامي بتهم عدة، وفي كل مرة يتضح زيف تلك الاتهامات منذ ما قبل إعدام سعاده. ففي دمشق اتهمنا أننا ضد العروبة وفي لبنان أننا بتحيتنا لسوريانا نريد تقويض الكيان ولا نريد الدخول بالجدل الذي كان قائماً مع الثورة الفلسطينية لما يسمى القرار الفلسطيني المستقل ولا مع أهل اليسار الذين أصرّوا على شوفينية طروحاتنا.
ما جرى في التاريخ المعاصر لبلاد الشام، يشبه مرحلة السفسطة الإغريقيّة او أطنان الفتاوي التي ظهرت في الآستانة قبيل سقوط السلطنة. عدو خارجي لا يخفي مشروعه في التفتيت والشرذمة ليتسنى له نهب الموارد ناهيك عن الاستيطان في فلسطين، ومجاميع داخلية ضائعة كل منها يريد الفوز بالعرش ليس لإنقاذ ما تبقى، بل ليطمئن الجماعة أن مستقبلهم بأيد أمينة ولطالما المعني على العرش فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
رغم كل الأوجاع والالام التي لحقت بهم، بقي السوريون القوميون الاجتماعيون قابضين على عقيدتهم كما حال القابض على الجمر مترجمين أقوال زعيمهم سعاده بإخفاء جراحهم النازفة لتضميد جراح أمتهم البالغة. بالطبع هذا التوجه لم يكن معمماً على القيادات العليا في الحزب، إذ حتى بوجود سعاده أخفى العديد منهم مطامعه إلى حين، واستمر هذا بعد الإعدام لدى العديد منهم بحجج واهية استطاع اغلبهم تسويقها في صفوف أهل الإيمان القومي الاجتماعي. حتى أولئك الذين قدموا أنفسهم كإصلاحيين سرعان ما تبين انهم طالبي سلطة.
مرت هذه الأمة بفترة ذهبية منذ الحرب الاهلية في لبنان لتصحيح التشويه الذي لحق بها من حيث أنها أمة ذات مجتمع واحد يحاول الأقربين كما الأبعدين منعها من تحقيق وحدتها بشتى الوسائل. لكن من قيل إنهم أهل العقد والحال اتبعوا منهج الغرب في إحياء الروح الكيانية والمذهبية ليتسنى لهم الحكم والقبض على السلطة لتحقيق مآرب بعيدة كل البعد عن روح القومية التي يدعونها ويشنفون آذان الناس بخطب رنانة حول ذلك. ففترة ما بعد اجتياح ال 82 والبطولات التي سطرت من قبل حفنة من الرجال المقاومين أو حتى جنود الجيش السوري وضباطه والتي أدت إلى إسقاط المشروع الذي أعد للبنان والتراكم الذي حصل بعد ذلك لمفهوم المقاومة بإنجازات واضحة جلية دعت الذين نكبوا بال 48 وانتكسوا بال 67 وشريحة واسعة في العالم العربي تسترد ثقتها بنفسها بعد ان خذلتها الأنظمة على تعدادها.
ان تعامل النظام البعثي في دمشق مع ما استجد لم يكن عن طيبة خاطر فأثر احتواء المقاومين وتقاسم النفوذ في لبنان مع عرب النفط وهو الذي سعى في الفترات السابقة بصراعه مع م ت ف لتجميع الأوراق وتقديم نفسه كمخلص في الداخل ومفاوض في الخارج (وديعة رابين) لأكبر دليل.
لم يطل الأمر حتى تكشفت خيوط اللعبة التي أعدت تحديدا مع اعتلاء الاسد الابن السلطة بدل خدام الذي سارع إلى الانشقاق والتوجه غربا، هذه الاطاحة بالمثلث النفطي لم يبادله الاسد الابن بمراجعة ذاتية بإعداد العدة لما يحاك لدمشق وبقيت المكابرة سيدة الموقف تحديداً بعد ما سمي بالربيع العربي، لاعتقاده انه محصن ولن يجرؤ أحد على المساس بنظامه. ووقع بنفس اخطاء والده حينما انقلب عليه شقيقه رفعت فبدل ان يلاقي مصيره إسوة بأي مطالب بالتغيير طلب من القذافي اعطاءه المال اللازم ليتنقل لأوروبا، وهو بدل ان يعاقب ضباطه الذين أساؤوا للناس كابر وكأن رجاله من أهل العصمة. مما لا شك فيه ان التدخل الروسي الإيراني والمقاومة في لبنان أنقذا الابن من سقوط محتم، أيضاً لم يراجع ما اقترفت يداه وعادت حليمة لعادتها القديمة حينما اعترف به أهل العروبة المشكوك بعروبتهم، كرأس للنظام وأغدقوا عليه الوعود إذا ما تخلى عن ايران والمقاومة، خطايا تجر خطايا دون رفة جفن مع نهم سلطوي مالي نهايته يمكن تشبيهها بنهاية المستعصم على يد هولاكو.
ما حققه الاسد الابن لا تعفى منه إيران وروسيا وحتى المقاومة في لبنان. فالروس الذي أنقذهم الأسد من أنابيب نابوكو، لم يحلبوا صافياً كما يقال، فقد تصدوا للصواريخ الناتاوية لكنهم لم يحركوا ساكناً تجاه صواريخ بني صهيون، وايران بدل أن ترد الجميل سياسياً لمواقف دمشق إبان حربي الخليج ذهبت لمذهب الدعوي لمعتقداتها الدينية في بيئة يعمل الغرب والعرب لاستنفارها مذهبياً ،أما المقاومة في لبنان ، الوجع الأكبر كانت تهرب من أصغر فتنة داخلية وتعطيل الأفخاخ التي تنصب لها عربياً ودولياً وإذ بها تدخل بحرب لم تعد لها هي .فعملية إسناد غزة كان يمكن تحويلها لحرب منذ بداية الطوفان مع إسناد يميني عراقي وانخراط سوري بالكامل مع تكثيف إيراني لتجربة 10 اكتوبر .العدو اثبت انه في الحروب لا يرحم طفل ولا شيخ أو امرأة فجميعنا أهدافه له. التعامل معه لا يكون بالقرارات الدولية كما وليس بقوانين الحروب التي يضربها الحائط وتتجند معظم دول العالم لتبرير افعاله.
مرحلة جديدة تمر بها امتنا إذا لم نتعلم من الأخطاء التي ارتكبت عرباً وعجماً، فمن المؤكد انها سوف تشهد نسخة جديدة لما حصل للدول النفطية، مجموعة امارات وممالك ودول شعارها الدين، تكفر كل من لا يذهب مذهبها والأجنبي يدير دفة الحكم والاقتصاد، يذعن له الجميع مخافة الإسقاط من البروج العاجية. مرحلة لا ينفع معها الاصطفاف المذهبي والاثني والقبلي تتطلب الحنكة والدراية والحكمة، ونبذ كل من يعبث بوحدة المجتمع مهما حمل من أفكار مقدسة أم سواها. الهجمة استعمارية احتلالية لا مفر من خوض الصراع معها كحزمة واحدة طالما شرح لنا الأولين عن مساوئ الفرقة والتشتت عند أي اعتداء خارجي.