ما بين العالم والكيان الصهيوني وأمتنا

عام جديد يحتفل به العالم بإنجازاته العلمية والتقنية والثقافية…..والكيان الصهيوني «يحتفل» بارتكاب الجرائم وحروب الإبادة والتطهير العرقي في غزّة ولبنان والشام.

كل عام، تطوي الشعوب قاطبةً صفحةً من الماضي بكافة إيجابياتها وسلبياتها، ثغراتها وتعثّراتها، نهوضها وكبواتها…. وتبدأ العام الجديد بشوقٍ إلى مستقبلٍ أفضل، يفتح آفاقاً جديدة وتطلّعات واثقة لمستقبل أجيالها وشعوبها. 

كُلّ ذلك يترافق مع مظاهر احتفالية بالمناسبة في الشوارع والساحات العامة، وعلى كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حيث تعيش الكرة الأرضيّة لحظات استثنائية تختم بها سنةً انقرضت، كي تستقبل عاماً جديداً مليئاً بالطموحات والآمال والأحلام.

فقط في منطقتنا، تتحوَّل الأعياد إلى كوابيس تتخبّط فيها شعوبنا منذ بداية المشروع الاستيطاني الصهيوني في العام 1948 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور.

هذا المشروع الذي بدأت معالمه ترتسم جليّةً منذ انعقاد «المؤتمر الصهيوني الأوّل» في أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثمّ تبلورت في اتفاقية سايكس-بيكو للعام 1916، لتتكرّس مشروعاً في« وعد بلفور» عام 1917، ومن ثمّ اغتصابا فعليّاً للأرض الفلسطينية عام 1948 وما رافق ذلك من جرائم موصوفة ارتكبتها عصابات «شتيرن» و« الأرغون» بقيادة الإرهابي «مناحيم بيغن» والتي ارتكبت بين العام 1937  والعام  1948  حوالي 75 مجزرة وذلك بحسب تقرير لصحيفة «هآرتس» العبرية عام 2019  والتي ذهب ضحيتها آلاف من المدنيين الفلسطينيين العُزَّل في مختلف القرى والمدن.

العام 2013  اكتشفت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث»، وجود 6 مقابر جماعية تضمّ مئات الرفاة والهياكل العظمية لشهداء مدنيين قتلوا خلال عامي 1936 و 1948، وذلك خلال أعمال ترميم كانت تقوم بها المؤسسة في مقبرة الكرخانة في مدينة يافا. هذا بالإضافة إلى لائحة المجازر الطويلة في فندق سميراميس وبوابة يافا وعمارة المغربي وقرى سعسع والطنطورة ودير ياسين وقالونيا وناصر الدين والحسينية وعين الزيتون وأبو شوشة والرملة واللدّ والدوايمة حيث ذكرت التقارير تفاصيلاً مرعبة عن بشاعة الإجرام الذي ارتكبته العصابات الصهيونية خلال تنفيذها المنظّم لعمليات إبادة جماعية تجعل القلم يرتجف عند توصيفها.

وها نحن اليوم وبعد 76 عاماً على عمليات الاغتصاب والاستيطان والتهجير، يقوم أحفاد «مناحيم بيغن» «ودافيد بن غوريون» «وغولدا مئير» و« إريال شارون» وسواهم من قيادات المنظمات الصهيونية بارتكاب جرائم جديدة موصوفة في غزّة التي تشهد على امتداد الخمسة عشر شهراً المنصرمة مجازر جماعية وعمليات تدمير مخططّة للبنى التحتية من أحياء سكنية بمدارسها جامعاتها وكنائسها وجوامعها ومستشفياتها وطواقم الأطبٌاء والإسعاف ومراسلي وكالات الأنباء.

كذلك في لبنان من جنوبه إلى بقاعه وشماله وضاحيته الجنوبية، حيث نفذت عمليات تدمير واسعة للبشر والحجر والشجر، كما قامت باغتيال القيادات والكوادر في الداخل اللبناني وفي المحيط القومي وصولاً إلى إيران، وذلك عبر استخدام أكثر التقنيات العسكرية تعقيداً حيث شَكلِّت عمليات تفجير الخمسة آلاف« بيجر» على مستخدميها وناقليها أحد أشكالها.

ولا يغيب في هذا السياق تلك العمليات العسكرية الواسعة التي نفذتها إسرائيل خلال الشهر الأخير من العام المنصرم على سورية، وقيامها بتدمير كافة البنى التحتية العسكرية ومراكز البحوث وسوى ذلك من قدرات مدفعية وصاروخية وطائرات وقواعد حربية في البحر واليابسة.

كل ذلك يحصل أمام سمع العالم وبصره، وكأنّ ما فعلته إسرائيل وما تفعله على مدار الساعة جاء ممهوراً بختم القوى الأطلسية الغربية والقوى الإقليمية التي لم تحرّك ساكناً أمام هول المشهد وفظاعته.

وهكذا تقف المنطقة أمام «سايكس- بيكو» جديدة مختلفة عما رسمته في عام 1916، والتي قسّمت المنطقة إلى كيانات سياسية متنافرة ومتصارعة على مدى مئة عام، دون أن يتاح لها الحد الأدنى من التنسيق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ناهيك بالأمني والعسكري،

في حين أنّ سايكس- بيكو الجديدة التي ترتسم معالمها على الأرض أمام ناظرينا تهدف إلى رسم وقائع جديدة في الجغرافية الطبيعية والديمغرافية (السكانية) حيث يعاد تركيب المنطقة على قواعد عرقيّة وطائفية متصارعة، ترتفع في عواصمها أعلام الأقليات «احتفالاً»، في حين يرتفع العلم الإسرائيلي على جبالها وهضابها ومرتفعاتها دون حسيبٍ أو رقيب.

إنَّه دون أدنى شكّ، زمن الوقائع الجديدة، والمخططات الجديدة، والخرائط الجديدة، وها هي إسرائيل تحتفل بإنجازاتها في الجرائم والتدمير والقتل المنظّم والإبادة الجماعية، بانتظار أن تخرج المنطقة من كبواتها وانقساماتها وتصدّعاتها التي دفعت ثمنها غالياً من حاضرها والمستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *