من ثمارهم تعرفونهم

يعتصر الألم المواطن الحزين وهو يتابع ما آلت إليه الأمور في وطن لم يستطع حمايته وصيانته، ولم يستطع أن يعيد توحيده بعد قرن ونيف من تقسيمه في اتفاقية سايكس بيكو، ولا ان يحرر ما استلب منه في الشمال على يد الجار التركي أو في الجنوب الذي اقام فيه الغرباء دوله تمثل شوكة في حلق الامة، لا بل ولم يستطع ان يوقف نزيف التقسيم، ولا ان يضع حدا لشراهة الجيران الذين اخذوا بالتوسع من الشمال نزولا نحو حلب، وجنوبا باتجاه حوران والجبل وجوار دمشق، أو أن يوقفوا الحرب على غزة حيث تمارس جرائم الإبادة الجماعية، فيما تلفظ المقاومة الفلسطينية هناك انفاسها الأخيرة بعد 14 شهراً من القتال البعيد عن التكافؤ، وهي ذاهبة باتجاه توقيع اتفاق مع الاحتلال لا يتناسب مع ما قدمته من بطولة وما دفعته غزة من تضحيات .

وفي الضفة الغربية التي تنتظر مصيرها المعلن من قبل وزراء دولة الاحتلال الذين يرون في وصول ترامب لسدة الرئاسة في واشنطن انتصارا لسياساتهم الهادفة إلى ضم الضفة الغربية وتهجير أهلها، فيما ينشغل الفلسطيني في حربه مع الفلسطيني الآخر كما نشاهد الحالة في جنين ومخيمها، إلى لبنان وما اضطر إليه من اتفاقات في غير صالحه كدولة أو كمقاومة، وما عليه من استحقاقات قريبة!!

 إلى العراق وما يدبر لمقاومته من مشاريع تصفية، ثم إلى الشام من شمالها المهدد من تركيا وشرقها الراغب بالانفصال واقامة الدولة الكردية وجنوبها وغربها التي يستبيحها (الاسرائيلي) بعد أن دمر مقدرات الدولة السورية العسكرية دون أي رد أو مقاومة، وها هو يستولي على جبل الشيخ وبقايا الجولان ويتمدد في حوران وصولاً إلى ريف دمشق ويطرح مشروع طريق داوود التي تربط بين الدولة الكردية المتوقعة والدولة اليهودية المتوثبة لالتهام المزيد.

ليس سراً أن ما جرى في سوريا كان بإدارة كاملة من تركيا في التنفيذ على الأرض وفي دعم مالي واعلامي من قطر وضوء اخضر غربي امريكي- فرنسي(اسرائيلي) وان تركيا هي من وضع القائد الجديد في موقع القيادة ومن قام بإعادة تدويره بنسخته الجديدة بعد تدريبات على قدر عال من الحرفية.

 انه أبو محمد الجولاني الذين يحق للسوريين ونحن منهم ان يطالبوا بمعرفته بدقة وتفاصيل أكثر من معرفتهم بماضيه المعلن، فرجل التكفير السابق انتقل ما بين القاعدة وداعش وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام كصاحب لحية كثة وعين حمراء غاضبة ومظهر محارب، وارتكب الجرائم في العراق والشام مباشرة أو عبر رجاله، ثم أصبح أحمد الشرع صاحب الوجه الباسم واللحية الأنيقة المشذب و الملابس المهندمة في نسخته الأخيرة كقائد لجبهة تحرير الشام و«البطل» الذي انهى اكثر من نصف قرن من حكم النظام السابق.

ما هو معروف من ماضي هذا الرجل، لا يثير الارتياح ولا بل و يدعو للقلق، واذا كان ماضي الرجل وطفولته موضع شك وجدال وهل انجب البعثي العروبي الدكتور حسين الشرع غير ابنتين اثنتين ولم ينجب ابناء كما يقول شقيقه المقيم في بريطانيا، فاين مدارج طفولته ودراسته ورفاق صباه؟ ان في السعودية أو في دمشق أو في بلدة فيق الحورانية – الجولانية؟ كل هذا أمر مهم عند مجتمعنا المغرم بالقال والقيل وما يقولون والمحب للدخول في التفاصيل الشخصية وان كانت لا تعنيه، فكيف ان كانت تتعلق بحاكم الامر الواقع الحالي ورئيس المستقبل المحتمل.

قد يخبئ القادم الجديد- أحمد الشرع مشاريع  لم يفصح عنها بعد ولكن في تاريخه المعروف والمعلن ثم في تصريحاته ما يكفي لتقدير ما سيجري في المستقبل القريب، و هي التي تؤكد ان سوريا الجديدة التي يريدها هي سوريا الطائفة لا سوريا المواطنة و ان لا صراع مع دوله الاحتلال لا من اجل فلسطين ولا من اجل الجولان، ولا يبدي رغبه في أي حراك للتصدي للتوسع( الاسرائيلي ) الجديد الذي تزامن مع دخوله إلى دمشق ورحيل الرئيس السابق، نعم وفي هذا ما يكفي لفهم أدائه الحالي باعتباره رئيس أو قائد الأمر الواقع وما علينا ان نتوقعه منه كحاكم وكرئيس رسمي قادم طالما انه يعلن عن رغبته في تسلم رئاسة الدولة.

واذا كان كثير من رجال النظام الراحل قد سارعوا وعلى الطريقة الشرقية المعروفة بالتخلي عن ولائهم واستبدال طرابيشهم والهجوم على من اثروا بوساطته ووصلوا إلى المناصب ا(بهز الذنب) له وبغير كفاءة وعلى حساب الشعب،  فان اخرين كانوا قد الزموا انفسهم بالدفاع عن الدولة السورية وكانوا شركاء في المغرم لا في المغنم، و هؤلاء اذ كانوا يدفعون ويؤيدون السياسة الخارجية للنظام خاصة تلك السياسات المتعلقة بدعم المقاومة وفي مواجهة المشاريع المعادية والاستسلام للإرادة الغربية ( الإسرائيلية) وللأفكار الإبراهيمية التطبيعية، في حين لم يكونوا مؤيدين أو مدافعين عن السياسات الداخلية للنظام التي شابها الفساد والرشوة والمحسوبية ووضع الرجل في المكان الذي يريد ، بناء على ولائه الشخصي أو علاقاته بالأمن الذي تغول على الحريات العامة والحزب الذي افترس الحياة السياسية والطائفة التي اخذت ما تريد بناء على ما تقدم وعلى حساب مكونات الامة باعتبارها صاحبة المواطنة من الدرجة العليا الممتازة.

في واقع اليوم هل يستطيع هؤلاء المتصالحين مع أنفسهم ونحن منهم، الدفاع عن السياسات الداخلية أو الخارجية على حد سواء لهذا القادم الجديد، الجواب هو لا كبيرة، و لكن و مع كل المشاعر المختلطة من الحزن و الوجع و الالم الا اننا لن نفقد الامل و انما ننشد مع ادونيس القديم

أقلوبنا، رفقاً بنا، لا تهربي

وتقحّمي عنفَ المصير

في الجوع، في اليأسِ المَرير،

وهنا، على هذا التراب، تَتَرّبي

فغداً، يُقالُ:

من أرضنا طلع النضالُ

ونما على أشلائنا

ونِدائِنا

وعلى تلفّتنا البعيدِ

لغدٍ جديدِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *