تقول الأسطورة ان الآلهة التقت في قديم الزمان، تبحث وتتشاور وتتناقش حول مواطنٍ ازلي وأبدي، فيه من العظمة والعراقة، ومن الغضاضة والقسمة ما يليق بها. وقد اجتمعت على مطلب واحد «بعلبك»، ولكن «بعلبك» ابنة للشمس.
والشمس تفاخر بصباها وزهوها. وقد كانت أعلمت الكون كله ان مهر ابنتها غالٍ جداً. وبعد اخذ ورد بين الآلهة والشمس، عقد اتفاق بينهم يرسم مهراً ألا وهو ان تختال بعلبك دائماً وأبدا بالحق والخير والجمال. ومرت العصور وبعلبك تزداد روعة وبهاءً، واستهواها البشر وحلّوا بها، وألفوا ترابها غير مكترثين بالعواصف والزلازل وحتّى الطوفان…
ليالي بعلبك تجاوزت أساطير الألف ليلة وليلة، ولكلِّ ليلةٍ قصة وحكاية تفيض بالأنفة والعنفوان.
بعلبك الكرم الموصوف وحضن الملهوف، وهي أم العظماء والأعلام والأكارم، وهي ناطورة سهل غلال الخير وبيادر العز والإباء.
بعلبك قبلة الوثنية في العالم القديم، ومسيحية المحبة ومحمدية الرحمة.
بعلبك مدينة العلم والتي خرج منها قسطا بن لوقا عالم الرياضيات والترجمة وخرج منها أيضا البهائي عالم الحساب والهندسة…
بعلبك مجتمع المعرفة ومعقل الأدب والشعر، فمنها شاعر القطرين خليل مطران وشمس القصيدة الشاعر جودت حيدر
بعلبك رسومات ولوحات رفيق شرف، ومنحوتات وتصاميم سامي الرفاعي، دبكة ورقصات كركلا…
بعلبك كتب ومكتبة عبده مرتضى الحسيني…
بعلبك القداسة والقديسة بربارة، الأوزاعي إمام بيروت وأهل الشام والمغرب والأندلس، حبيب آل إبراهيم العلّامة الفقيه…
بعلبك الإنجيل ومعلقة عمرو بن كلثوم…
بعلبك الحاضرة في وجدان الزعيم أنطون سعادة عاصمة للدولة السورية القومية الاجتماعية والقائمة تطول…
بعلبك تراكم الحضارات والثقافات وتفاعل التجارب الإنسانية، وبعد كل ما سبق يخيّل للبعض أنه يمكن اختزال بعلبك ب «كزدورة على رأس العين» أو اختصارها «بأكلة صفيحة بعلبكيه» أو «صورة بالقلعة».
بعلبك هياكل وليست قلعة، بعلبك عالم وليست مدينة وهذا ما لم تعرفه السلطة اللبنانية، حيث مارست كل أشكال الحرمان على مر السنين من النواحي كافّة واليوم بالإضافة إلى الحرمان المؤلم تتعرّض بعلبك لهجمة شرسة من عدوّ همجي فاقت همجيته همجية التتار والإحتلالين التركي والفرنسي… للقريب قبل البعيد وللصديق قبل العدو نقول إن بعلبك فيها من الجبروت ما يحميها وفيها من الأصالة والقِدم ما هو أقدم من أصل اليهود ويهوه نفسه.
ولعلّ أغلى ما في بعلبك هو ما تحتضنه في ثراها من شهداء وأخيار وأبطال فداء للأمة في سياق صراع السيادة والحرية.
بعلبك باقية
وإن غابت الشمس لن تغيب…أن سكوت المنظمات المعنية كالاونيسكو وغيرها من منظمات أممية عن محاولات تدمير بعلبك وأثارها سيبقى وصمة عار للعالم اجمع، أما عنفوان بعلبك فلن يهزمه عدوان شذاذ الآفاق الذين يهدفون إلى تدمير تاريخ بلادنا لنكون لقمة سائغة،بعلبك التي قاومت كل أشكال الاستعمار التي تعاقبت على بلادنا،ستبقى قلعة للبطولةص والشروق دوما من جديد.
عبدو الحسيني