المصاب جلل والأقلام صمتت عن الرثاء. كيف يُرثى من لم يشيَّعُ بعد. إن موت السيد بالنسبة لي اليوم، في بواطن عقلي، خبر لم يكتمل.
كانت الساعة السادسة، صوت قوي واعتداء على الضاحية، ثم نبأ قصف وحشي لم يسبقه مثيل، ثم نعي وطني وأممي .. ثم غاب.
صمتنا أو صدمنا أو اشغلنا بحربنا ونزوحنا وقتلنا ونجاتنا وبيوتنا وناسنا وبلادنا وصواريخنا وشبابنا ومسيّراتنا وجنوبنا وبقاعنا… صمتنا؟ أو صدمنا؟ أو إن الموت أصلاً لم يحدث بالنسبة لنا.
هل يشرب المرء كأس الموت حقاً إلا إذا شيّع فقيده؟ وفي حال الرجل الأسطورة حسن نصرالله، هل إن تشييعاً أصلاً يميته في وجداننا. كل ما يحدث مسيّر بحكمة أراها أوضح كل يوم.
قلت لأبي، على مسمع أمي، وكلنا أيتام السيد… قلت لأبي فراس، والدي: يوماً بعد يوم أشعر بالإمتنان أن السيد استشهد كما استشهد، وفي تلك اللحظة، وبهذا الشكل.
وماذا يريد واحدنا للسيد؟ وماذا يريد واحدنا أكثر من السيد؟ ألم نكتفِ؟ أما كان كافياً من رجل واحد أن يقود ثلاثين عام وعامين، ويبني ويثقّف ويوجّه ويقولب فكره خطاباً ومواقفاً؟
وهل كنا لنعي حجم هذه الحرب لو لم يقتلوا لنا السيد؟
عودوا إلى عقولكم… هل كنا “متنبهين” حقاً لحجم المسؤولية التي على عاتقنا حين نرفع شعار ” لا للإحتلال، لا لإسرائيل، لا للذل، ولبيك!”
إن ما فعله الإسرائيلي هو ما احتجنا له لكي نستفيق. ترف التأجيل والتسويف انتهى. إنه وقت الحقيقة التي تفرض نفسها على الوجود. من يقول إنه في هذا الخندق، فليلبس عتاده لأن كل ما كنا نعمل له ونصرخ لأجله هو هذا. من تفاجأ، قد أفهمه، ولكن ليس طويلاً… بماذا تفاجأ واحدكم؟ باننا نقاتل اسرائيل؟ بان اسرائيل تقتل قادتنا؟ بأن اسرائيل تتجسس علينا؟ بأن اسرائيل تعبث بقضائنا وأمننا ومرافقنا كما تريد؟
بماذا تفاجأ واحدكم؟ بأن السياسيين طأطأوا الرؤوس أمام الجميع؟ بأن الإعلام يردد دعاية صهيون؟ بماذا تفاجأنا؟
من يشعر انه بحاجة لهدى السيد، عن مشروع الإميركي للبلاد، فليستمع إلى كل خطابات مرحلة 2005 وما تلاها
ومن يشتاق للسيد في معاني الحروب والمواجهة والثبات، فليستمع إلى أي خطاب في أي تشييع شهيد، من عماد مغنية إلى مصطفى بدر الدين إلى أخر ظهور له قبل شهادته.
أنا لا أفهم ترف النكبة العاطفية. وهل هؤلاء حقاً من ادعوا أنهم تعلموا من السيد؟ ماذا بعد السيد يقولون؟
تارة أخرى، يقارنون. من بمن؟ ولماذا؟ وكيف؟ ولأجل ماذا؟
علامَ يقارن الشيخ نعيم قاسم بالسيد نصرالله؟ وهل يكون نصرالله نصرالله لو كان له ثانٍ؟ وهل مطلوب ممن يحملون سيف نصرالله أن يدّعوا أنهم مثله؟ إن السيف هو الإرث. وكائنا من يكون حامله، إن حلفنا نحن أهل الأرض والناهضين، حلفنا نحن أبناء كل القرى والثابتين، إن حلفنا مع سيفه وربه وليس مع شخصه. إن سيف نصرالله لم يمت. وإن رب نصرالله لا يموت. وإن كل هذا ما يحبس الدمع..إن كل هذا ما يملأ عروقي بالفخر. إن شعبي وبلادي قدّمت قربانها وتقدّم. ولكن السيف المسنون على حدودنا، يقاتل العالم أجمع، ولم ينكسر.
غدي فرنسيس