الجمهورية اللبنانية – اوهام الاستقلال ، وما تناسته بعض الاجيال

مثلما كانت بوسطة عين الرمانة الشرارة لإندلاع الحرب الاهلية اللبنانية ، كانت احداث السابع عشر من تشرين الاول عام 2019  وما تبعها ، الشرارة الاولى لإنهيار النظام اللبناني المعروف منذ العام 1920 عندما جلس البطريرك الياس الحويك على يمين المندوب السامي الفرنسي هنري غورو ، والمفتي الاكبر الشيخ مصطفى نجا عن يساره لإعلان دولة لبنان الكبير من قصر الصنوبر في بيروت .

في لمحة سريعة عن اعلان قيام دولة لبنان الكبير وعاصمتها بيروت فقد كان للبطريرك حويك دور كبير من زيارات خارجية لحماية ابناء بلده ، حيث تمكن من انتشال اعتراف دولي في مؤتمر فرساي ومن بعده مؤتمر الصلح في فرنسا بإستقلال لبنان الكبير ، سانده في هذا الاطار بعض الشخصيات الاخرى في تلك الفترة بزيارات الى عواصم اخرى لإقناع الامبراطور جوزف الاول في النمسا والملك فيصل الاول في سوريا وغيرهم . ( المصدر – تقرير من اعداد وزارة الاعلام اللبنانية – مديرية الدراسات والمنشورات ، لمناسبة مئوية لبنان الكبير 1- 9 – 1920 / 1 – 9 – 2020 )

اعلن انتداب فرنسا على لبنان من قبل عصبة الامم بموجب الصك المؤرخ بتاريخ 29 – 9 – 1923 حيث اعتبره بعض اللبنانيين اعترافا من الشرعية الدولية انذاك ( وهو ما ينادي به البعض اليوم ايضا ) .

ثم انتقل سكان لبنان من الجنسية العثمانية الى الجنسية اللبنانية في 19 – 1 – 1925 بموجب قرار صادر عن المفوض السامي الفرنسي ، ثم صدر الدستور اللبناني بتاريخ 23 – 5 – 1926 واعلان الجمهورية اللبنانية بدل تسمية لبنان الكبير .

فيما بعد تم التوافق بين بعض السياسيين اللبنانيين انذاك على ميثاقهم في العام 1943 من اجل نيل الاستقلال ، هذا الميثاق الذي صاغه الرئيس بشارة الخوري في العبارة التالية ” وما الميثاق الوطني سوى اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزاعاتهما في عقيدة واحدة : استقلال لبنان التان الناجز دون التجاء الى حماية من الغرب ، ولا الى وحدة أو اتحاد مع الشرق ” . واعلن تعديل الدستور في 9 – 11 – 1943 بالغاء المواد الانتدابية وإعتماد تاريخ 22 – 11 – 1943 عيدا لإستقلال الجمهورية اللبنانية .

ما تم تعديله بالغاء المواد الانتدابية كان في حقبة الحرب العالمية الثانية ، فلم يرفض الغرب حينذاك فكرة الغاء المواد الانتدابية لمواصلة هيمنته ( عبر بعض السياسيين اللبنانيين المرتبطين بهذا الغرب ) .

في العام 1978 قامت اسرائيل بإجتياح جنوب لبنان متذرعة بعملية فدائية قامت بها منظمة التحرير الفلسطينية وانشأت فينا بعد ما عرف بجيش لبنان الجنوبي ( كان يضم عددا من افراد الجيش اللبناني الذين اعلنو ولائهم للجيش الاسرائيلي ) . وفي حزيران من العام 1982 اجتاح الجيش الاسرائيلي الجنوب اللبناني حيث وصل واحتل العاصمة بيروت ايضا بحجة اغتيال السفير الاسرائيلي في احدى الدول الاوروبية ) ، حيث قام ذلك الجيش في صيف العام 1982 بجمع نواب في المدرسة الحربية اللبنانية وانتخاب رئيس للجمهورية بحماية الدبابات الاسرائيلية ونقلها لبعض النواب بدباباتها .

في المقدمة ذكرنا ان  بوسطة عين الرمانة كانت الشرارة لإندلاع الحرب الاهلية اللبنانية بتاريخ 13 نيسان عام 1975 ، وكان اتفاق الطائف هو التسوية التي انهت الحرب الأهلية ، هذا الاتفاق تم بمدينة الطائف السعودية برعاية اميريكية سعودية سورية ، وقد انتهى ذلك الاتفاق على بنود تم تنفيذ بعضها وتجاهل السياسيون اللبنانيون تنفيذ بعضها الأخر نظرا لإرتباط هؤلاء السياسيين بعضهم باميركا والبعض الاخر بالسعودية والبعض الاخير بسوريا .

كان اتفاق الطائف هو المؤذن لسحب اكثرية الصلاحيات التي تعود لرئيس الجمهورية اللبنانية وفقا لدستور العام 1943 ووضع هذه الصلاحيات بيد مجلس الوزراء مجتمعا ، كما كان هذا الاتفاق مؤذنا أيضا لإطلاق اليد الحريرية في لبنان عبر رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري .

انتهت الحرب اللبنانية وبدأت مرحلة جديدة استطاع فيها لبنان أن يخرج اسرائيل من اراضيه التي تحتلها في العام 2000 لتبدأ بعدها مرحلة تجاذب لبنان دوليا بين الدول الثلاث التي رعت اتفاق الطائف والتي انهت فعليا الاتفاقية بتاريخ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط عام 2005 .

عنوان المرحلة الممتدة بعد اغتيال الحريري ولغاية تاريخ 17 تشرين الاول عام 2019 كان السلاح الذي حرر لبنان في العام 2000 عبر قوة محلية لبنانية تلقت الدعم من سوريا وايران ، البلدين اللذين يتواجهان مع السياسة الغربية ومع بعض الدول العربية المؤيدة للغرب في سياساته .

( أما مرحلة الحريرية السياسية فقد انتهت بعد اعتلاء الملك سلمان عرش السعودية وتقديم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالة حكومته بعد بدء أحداث السابع عشر من أيار 2019 واعادة تكليفه مجددا لترؤس حكومة وعدم قدرته على التأليف بعد الانفجار في مرفأ بيروت عام 2020 ) كان لا بد لهذه المرحلة ان تنتهي بعد انتهاء ما كان يجمع داعميها الاميركيين والسعوديين والسوريين .

وكما فرض الغرب عقوباته الاقتصادية على ايران بحجة برنامجها النووي ( لم تتأثر ايران كثيرا بهذه العقوبات فإتجه الغرب بعد ذلك الى شيطنة هذه الدولة اعلاميا ) ، فرض عقوباته بعد ذلك على سوريا بحجة دعم سوريا للإرهاب ( الكثير من الوثائق والاعترافات تؤكد ضلوع الغرب واميركا بنشئة هذا الارهاب الذي استوطن سوريا منذ العام 2011 ) عبر قانون قيصر الامر الذي اثر على لبنان بشكل كبير فأبتدأ الانهيار الاقتصادي في لبنان وبخاصة بعد امتناع الدول العربية عن دعم لبنان وانحيازها بشكل واضح للقرارات الاميركية والغربية ، بغية الدفع بلبنان الى الترسيم الحدودي مع اسرائيل والى توطين اللاجئين فيه نهائيا .

في هذا السياق فقد ذكرت جريدة الاخبار اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ  8  – 11 – 2022 ما يلي :

لقاء نظّمه «مركز ويلسون» عن السياسة الأميركية في لبنان، الجمعة الماضي، وأداره السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل،  حذرت مساعدة وزير الخارجية الاميركية  لشؤون الشرق الادني باربرا ليف من أن لبنان مفتوح أمام كل السيناريوهات، بما فيها «تفكك كامل للدولة»، وقالت إن اللبنانيين سيضطرّون على الأرجح إلى تحمّل مزيد من الألم قبل تشكيل حكومة جديدة.كما اضافت في هذا اللقاء  “أرى سيناريوهات عدة، التفكك هو الأسوأ بينها… قد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة وتكون هناك هجرة جماعية، هناك العديد من السيناريوهات الكارثية. وفي الوقت نفسه أتخيل أن البرلمانيين أنفسهم سيحزمون حقائبهم ويسافرون إلى أوروبا، حيث ممتلكاتهم”

وأشارت إلى أنه «ليس عمل الديبلوماسيين الأجانب الذهاب إلى مجلس النواب والضغط على النواب لانتخاب رئيس. أعتقد أنه يجب أن تسوء الأمور أكثر، قبل أن يصبح هناك ضغط شعبي يشعر به النواب. نحن نضغط على القادة السياسيين ليقوموا بعملهم ولكن لا شيء يؤثر مثل الضغط الشعبي، وعاجلاً أم آجلاً، سيتحرك ذلك من جديد».

ولفتت إلى أن «هناك طروحات تقول إن انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما إعادة بنائه من تحت الرماد، متحرّراً من اللعنة التي يمثّلها ( حزب السلاح )له ، ولكن شعب لبنان، وجيرانه الأردن وإسرائيل والشعب السوري، سيتحملون العبء الأكبر لانهيار الدولة، لذلك فإن جهودنا مركزة على تفادي هذا السيناريو، والضغط على من يحكمون البلد». واعتبرت أن «حزب السلاح يشكل تهديداً لنا ولجيران لبنان، وللبنانيين أنفسهم. ونحن مستمرون في فرض عقوبات وحصار شبكاته في المنطقة وغيرها»

وأكدت ليف أن بلادها والسعودية لديهما قواسم مشتركة في ما خص الوضع اللبناني، كما اكدت ليف يضا اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل فقالت إن «الاتفاق يحمي أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية، ويعطي لبنان فسحة لبدء نشاط التنقيب عن موارد الطاقة، ويدعم مصالح الولايات المتحدة والشعب الأميركي وتطلعاتها لشرق أوسط مزدهر ومتكامل، مع احتمالات أقل لاندلاع نزاعات».
انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما من إعادة بنائه من تحت الرماد متحرّراً من ( حزب السلاح ) . وعما إذا كان اتفاق الترسيم يمهّد لمرحلة جديدة من التطبيع، بما يشمل لبنان؟، قالت: «إنه سؤال جيد لدرجة أني لم أستطع الإجابة عليه لنفسي. هناك شعور بأن هناك تقاطعات ولدت بين لبنان وإسرائيل. لا أدري ما هو السحر الذي أتاح ذلك؟ الأشخاص في الحكومة في لبنان أدركوا الخسارة التي ضيّعوها خلال السنوات الماضية لأنهم لم يصلوا إلى اتفاق مع إسرائيل».

من يقرأ تصريحات مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدني سيعيد التفكير مرة اخرى بطرح وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس عن السعي الاميركي لبناء شرق اوسط جديد عبر الفوضى الخلاقة ، شرق اوسط جديد ليست العدو فيه اسرائيل التي اغتصبت ارضا وقتلت شعبا وشردت اجيال . العدو الجديد هو ايران والحليف الجديد هو اسرائيل ومن يدري ؟؟؟ ربما تنضم اسرائيل الى جامعة الدول العربية بعدها

علي زيتوني