البلد المكشوف و”هولاكو”                                     

وانت تراقب مجريات الاحداث التي يعيشها لبنان، ينبغي الا ننسى، ما يحصل في غزة منذ عام، عند اعلان طوفان الأقصى، من فعل إبادة موصوفة ومحارق مستمرة وليس واحدة وحسب، بينما تتوالى ملاحم البطولة تباعاً، ان في صمود الشعب رغم تراكم عداد شهدائه، او في مقاومة تكبد العدو الخسائر، والحكايات تطول.

صحيح ان ما يجري على الساحة اللبنانية، لم يبلغ بعد حجم الإبادة الغزية الفلسطينية، لكنه يماثلها، لأنه بات واضحاً ان غطاء اميركياً اطلسياً تحظى به دولة العدو، يتيح له التمادي في الارتكابات الجارية.

يحصل في القرن الواحد والعشرين من إبادة في المنطقة، كما حصل منذ ألف عام ونيف مع المغول الذين ارتكبوا خلال غزوهم، لمنطقتنا، أعظم مذبحة في التاريخ، يوم استبيحت بغداد عاصمة الدولة العباسية بعد حصار طال حيث استمر القتال نحو أربعين يوماً، ولم يبق في المدن التي تم غزوها لا مسجد او دار ولا شجر، حيث اغرقت احياءها بالمياه ثم افرغت مكتباتها العظمى بعدما ألقيت كتبها العلمية ومصاحفها في نهر دجلة، ويقال ان لونه تحول الى لون الحبر الأسود، وهكذا ازيل مشعل العلم العظيم الذي كانت تمثله تلك المدينة.

ويروي المؤرخون ان عدد قتلى تلك المجزرة، بلغ نحو المليون ومعظمهم من خيرة الرجال والنساء والعلماء والادباء، والأطفال وكبار السن.

هولاكو الذي كان شعاره الحق للقوة، يمكن ان يكون ابلغ مثال لارتكابات العدو وجموع قادته اليوم، الذين كشفت حرب غزة وكذلك حرب الاسناد للمقاومة اللبنانية لها، مطامع هذا العدو في منطقتنا  مجددا ،كما كشفت مدى تفلت دولة العدو هذه منذ تأسيسها الى اليوم من الالتزام ،بالمقررات الدولية او المعايير الإنسانية او الحقوقية، مستندة الى دعم غير مسبوق من الغرب الاستعماري الداعم  والطامع بارضنا وثرواتنا وموقعنا ، يمكن بالعودة الى  كلام  ثيودور هرتزل، عام 1997، في كتابه (دولة اليهود)، ان الدولة اليهودية يجب ان تتشكل في فلسطين، لتكون جزءاً لا يتجزأ من سور الدفاع عن أوروبا في أسيا، وقلعة متقدمة للحضارة ضد البربرية .. ويقصد بذلك أبناء هذه يتابع الأرض.. هو يريد بوضوح اخراجهم منها لكن، بعد استغلالهم في كل الاشغال الوضيعة والقاسية.

أيضا يكشف التمعن في الأوراق المقدمة من “وايزمن” الى مؤتمر السلام المنعقد في باريس العام 1919، لتوزيع الغنائم على القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى، ان دولة اليهود المقبلة يجب ان تتضمن “كل فلسطين وجنوب لبنان حتى دمشق وخليج العقبة ثم خط حديد الحجاز وصولاً الى معان ومنابع نهر الأردن في سفوح جبل الشيخ.”

هذا المشروع الصهيوني منذ إعلانه على يد بلفور البريطاني ووعده لم يوفر أي طريقة من الدعاية المزورة للوقائع منذ سرديتهم الدينية التوراتية الى الجرائم، والمجازر التي تمرسوا بارتكابها في شعبنا من دير ياسين الى الطنطورة وما بينهما وما بعدهما ان في فلسطين او في القرى السبع في جنوب لبنان وحولا، ثم داخل بيروت نفسها، تمت بإنزالات استهدفت قيادين وكذلك تدمير الطائرات في مطار بيروت.

ويومها كان عنوان سيادة لبنان “قوة لبنان في ضعفه”، وهو شعار لم تعرفه دولة في العالم اجمع، حتى دولة الفاتيكان.

الملفت انه رغم كل ما قدمته المقاومة من حضور رادع للعدو، وبعد عقود ثلاث، كرست توازن قوة بين لبنان ودولة الاحتلال، وجعلت من عاصمته، عاصمة للمقاومة دون منازع، لا يزال بعض الغارقين في أوهام الجمهورية الأولى، يحن الى حقبة الضعف السابقة، لابل يتغنى بها!!

ما يجري في سياق التدمير الجاري للبنان، من قبل الدولة المجرمة العدوة، وبدعم واضح من الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو الغربي الذي يقدم دعماً غير منظور في المال والسلاح والتقنيات الاستخباراتية، يعبر عنه خير تعبير الناطق باسم جيش العدو أفخاي ادرعي، داعية السلام والإنسانية (لا سمح له) ،كيف لا وهو يدعو الناس الى الابتعاد 500م عن الهدف المنشود من مباني مستهدفة، وبمهلة لا تتعدى الدقائق، لتنهمر بعدها الصواريخ الفوسفورية غالباً من الطائرات او قاذفات البوارج، لتفعل تدميراً لا يختلف عن تدمير قنابل هيروشيما الذي لن يكون آنياً بالتأكيد بل ستستمر تداعياته البيئية طويلاً على الأرض والانسان.

استهدافات هذا العدو الذي يغطي اطماعه الاقتصادية والسياسية بقالب الأيديولوجيا الدينية يظهر مليا مدى رغبته بالثأر لفشل مشروعه على مدى السنوات الأخيرة وهزيمته شر هزيمة وانتصار العام 2000 الى اليوم، محاولا استعادة صفة التفوق التي يحاول اظهار نفسه بها من خلال ممارساته واستهدافه قيادات المقاومة (في لبنان وفلسطين)، ثم في استباحة سماء لبنان، يفعل تدميرا وقتلا كلما انهزم في الميدان على الحدود البرية.

لا يغفل العدو في كل خطواته، مشروعه الاستيطاني التطبيعي وتعزيزه في مجتمعنا من خلال

 زرع الشقاق بظهر المقاومة، وتعزير التفرقة الطائفية والمذهبية بعد تجلي المجتمع المساند للمقاومة بأبهى صوره منذ بدء العدوان.

لم تكتف طائرات العدو وهجماته الجبانة من تهجير اهل الجنوب وتدمير مدنه ومزاراته (محيبيب) والضاحية وبلداتها والبقاع ومدنه حيث طال الاستهداف مواقع اثرية في مدينة بعلبك، لم تكلف نفسها منظمة الاونيسكو حتى مجرد السؤال عنها.

 قصد العدو تمدد ضرباته الى مناطق ابعد لملاحقة دروب النازحين الى حيث احتموا فكانت مجزرة ايطو في زغرتا، حيث استهدفت الطائرات الحربية مبنى سكنيا لعائلات وأدى تدميره الى استشهاد كل من فيه غالبيتهم من النساء والأطفال، وكذلك مجازر الطيران بحق المدنيين في الشوف، ورياق والبزالية وطريق الجديدة وسحمر ومشغرة وبعلبك والنبي ايلا والكرك والهرمل وكأنه في استعراض القوة على الأبرياء

لبنان المكشوف اليوم، امام حركة الطائرات الحربية والبوارج، وكذلك المسيّرات المتطورة الغادرة والقاتلة للابرياء، دون وازع او رادع، لا جيش لبناني بمقدوره المواجهة نظراً لقدراته المتواضعة ولعدم توفر القرار الدولي لا بتسليحه ولا بقرار المواجهة، وطبعا لا شيء يردع دولة العدو عن استهداف المدنيين وهي التي مزق مندوبها الى الأمم المتحدة، ميثاقها على منبرها.

التمادي والجنون من قادة العدو بلغ ذروته في سياسة عرض قوته، حيث عمدت الى تنفيذ تهديدها بتدمير كافة فروع القرض الحسن، زاعمة انه استهداف لبيئة المقاومة دون سواها، وهذا ايضاً جزء من التزوير للحقائق، لأن ما أصاب اللبنانيين من انهيار مالي للبنوك وودائعهم، في لعبة مكشوفة، لدوائر القرار الغربي، وحرب استباقية عمدت اليها عواصم القرار بقصد اخضاع اللبنانيين بالاقتصاد والعقوبات المالية والبنكية.

الجدير بالإشارة، رأي بيئة المقاومة التي قصدت غارات العدو معاقبتهم بتدمير مستقبلهم وجني عمرهم، الذين أكدوا بالقول “ذهبنا ليس في صناديق القرض الحسن، بل على الجنوب والجبهة، حيث يسطر ابطال المقاومة أروع الملاحم دفاعاً عن الميدان والأرض”.

المقاومة لا زالت تسطر أروع البطولات ولا زالت معادلاتها تهز كيان هذا العدو بثباتهم وبطولاتهم وصواريخهم ومسيراتهم التي ما زالت تدمر من حيفا الى صفد الى عكا والى تل ابيب، وتنسج رداء النصر القادم ولا يزال الميدان هو المعيار لان القوة هي القول الفصل  للاحرار الساعين الى حفظ كرامة بلادنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *