يتبارى المسؤولون الأميركيّون، بوقاحة شديدة، في الإعراب عن سعادتهم بمقتل القائد المقاوِم يحي السِّنوار (مقتله، بتعبيرهم؛ واستشهاده، بتعبيرنا وبتعبير كُلِّ المعادين للإمبرياليَّة والصّهيونيَّة)؛ ويبدون تفاؤلهم بإمكانيَّة إنهاء الحرب (يقصدون استسلام المقاومة في غزَّة) وإطلاق سراح الرَّهائن (يقصدون الرَّهائن «الإسرائيليين» الموجودين لدى حماس وفصائل المقاومة الفلسطينيَّة)..
هذا هو كُلُّ ما يهمّهم؛ أمَّا حقوق الشَّعب الفلسطينيّ الوطنيَّة والإنسانيَّة المستلَبة، وأمَّا إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى الكيان الصّهيونيّ»، وأمَّا عشرات ألوف الفلسطينيين الَّذين قتلتهم ماكينة القتل الهمجيَّة الصّهيونيَّة، وكذا ما حلَّ بمدن قطاع غزَّة مِنْ دمارٍ غير مسبوق، فهي أمور غير مهمّة بالمرَّة..
ألا بئساً لهم!
مِنْ سوء حظِّهم أنَّ يحي السُّنوار اُستُشهِدَ مثل كُلِّ المقاومين الكبار ضدَّ الاستعمار والإمبرياليَّة..
اُستُشهِدَ وهو في الميدان حاملاً سلاحه ويُقاتل؛ وهذه أمثولة عظيمة ستبقى راسخة في وجدان رفاقه (وإخوانه) في «عزِّ الدِّين القسَّام» وفي جميع فصائل المقاومة الفلسطينيّة والعربيَّة والعالميَّة..
اُستُشهِدَ مثل الشَّيخ عزِّ الدِّين القسَّام الَّذي كان استشهاده البطوليّ مُلهماً كبيراً وأدَّى إلى أنْ يأتي بعد زمنٍ طويل فصيلٌ مقاوم ويتسمَّى باسم «عزِّ الدِّين القسَّام»..
استشهاد يحي السِّنوار، بهذه الطَّريقة، لن يجعل رفاقه المقاومين يرفعون راية الاستسلام، بل سيدفعهم إلى الاقتداء بمأثرته البطوليَّة؛ أي أنَّه سيدفعهم إلى المزيد من الاستبسال، وإلى الانخراط في المزيد مِنْ أعمال المقاومة.. والدَّافع إلى ذلك ليس نزعة الثَّأر فقط؛ بل، أكثر مِنْ ذلك، قوَّة تأثير الأمثولة البطوليَّة الَّتي تُوِّجَتْ بالاستشهاد..
وبالمناسبة، النَّزعة الثَّأريَّة لدى الكيان الصّهيونيّ أكثر بدائيَّة وتخلُّفاً مِنْ أيّ نزعة ثأريَّة لدى أكثر القبائل تخلُّفاً.. راجعوا تاريخه الإجراميّ، وستتأكَّدون مِنْ ذلك..
يُخطئ هؤلاء الإمبريال يون وأدواتهم (وفي مقدِّمتها، الكيان الصّهيونيّ)، كعادتهم، في فهم الشُّعوب ومقاوماتها؛ ولذلك، فكُلُّ ما يقولونه وما يفعلونه إنَّما هو وصفة لزيادة أوار المقاومة وليس إطفاءها.
يخطئ الإمبرياليون الأميركيّون، مرَّةً أخرى، في فهم سيكولوجيا الشُّعوب (وبالأحرى، تكوينها الوجدانيّ)؛ كما أخطأوا في جميع دول أميركا اللاتينيَّة، وكما أخطأوا في فيتنام، وكما أخطأوا في العراق وأفغانستان، وكما أخطأوا في الكثير الكثير من البلدان..
يذكِّرني قتال السِّنوار مع ثُلَّة مِنْ رفاقه وهم محاصرون ولا أمل لهم بالنَّجاة، بمأثرة قتال الرَّئيس التشيلي اليساري سلفادور أللندي الَّذي دبَّر الأميركيُّون انقلاباً دمويَّاً ضدَّه، بقيادة صنيعتهم الجنرال بنوشيه في العام 1973..
يومها حاصرت قوَّات بنوشيه القصَر الرِّئاسيّ بالدَّبَّابات، وطلبت من الرَّئيس أللندي أنْ يُعلِنَ استقالته ويُغادرَ البلاد؛ إلَّا أنَّه رفض الاستقالة ورفض المغادرة، وظلَّ يُقاوم وحيداً تقريباً إلى أن اُستُشهِد..
فأصبح موقفه ذاك أُمثولةً مشرقةً مِنْ أُمثولات البسالة والمقاومة لكُلِّ الأحرار في كُلِّ أنحاء العالم.
مَنْ يتذكَّر بنوشيه الآن بغير اللعنات والازدراء؟
حتَّى رعاته الإمبرياليون، تخلّوا عنه في أواخر سنيّ حياته، وتعرَّض على أيديهم إلى إهانات تفوق الوصف.. ومع ذلك، فهو عارهم الَّذي لا يزول ولن يزول على مدى الأيَّام والسِّنين..
أمَّا سلفادور أللندي، فهو اسمٌ خالدٌ يحظى بالاحترام والتَّقدير الكبيرين لدى الأحرار في كُلِّ أنحاء العالم..
إنَّ استشهاد يحي السِّنوار أو أيّ مقاوم آخر هو أمر متوقَّع؛ وكُلُّ مقاوم، عندما يختار هذا الطَّريق، يضع في احتماله أنَّه قد يستشهد في أيّ لحظة؛ ومع ذلك، فهو لا يستنكف عن السَّير في طريق المقاومة؛ كما أنَّ استشهاده لا يجعل رفاقه يُلقون السِّلاح ويكفُّون عن المقاومة..
لقد قتلوا قائد المقاومة الكبير الشَّهيد السَّيِّد حسن نصر الله، وعدداً مِنْ رفاقه القادة؛ ومع ذلك، استمرَّ رفاقهم في حزب الله بالمقاومة..
المقاومون الفلسطينيّون يستمدُّون عزيمتهم مِنْ عدالة قضيَّتهم؛ ولذلك، فلا شيء يمكن أنْ يوقفهم عن مواصلة المقاومة.
أمَّا العدوّ الصّهيونيّ، فمهما قتل ودمَّر، بدعمٍ سخيٍّ مِنْ رعاته الإمبرياليين، فإنَّ هذا لن ينقذه مِنْ مصيره المحتوم ككيان استيطانيّ إحلاليّ عنصريّ.. مصيره المحتوم هو الزَّوال، وهذا يتأكَّدُ يوماً بعدَ يوم، ومع كُلِّ جريمةٍ يرتكبها..
النَّصرُ المؤزَّر للمقاومة.. والمجدُ والخلود لاسم الشَّهيد يحي السِّنوار ولكُلِّ شهداء المقاومة الفلسطينيّة والعربيَّة والعالميَّة.. والخزي والعار للإمبرياليتين والصّهاينة وأدواتهم وعملائهم..
والحُرِّيَّة لفلسطين (كُلِّ فلسطين) وسائر البلاد العربيَّة.
امين عام الحزب الشيوعي الاردني سعود قبيلات